الحمدُ للهِ القُويِّ العَزِيزِ،الجبَارِ المتكبرِ،المُعزِّ المذِلِّ..لا إِله إِلا الله وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ نَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الأَحزاب وَحدَهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ جَاهَدَ في اللهِ حَقَ جِهَادِهِ صَلَّى الله عَليهِ وعلى آله وصحبه وَسَلَّمَ تَسلِيمَاً أَما بَعدُ فَاِتقُوا الله َعباد الله..
(( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ))
يتجدّد الجرح ويتأكّد الحديث مَعَ اِستِمرَارِ مَصَائِبِ المسلمين منذ أوّلها باغتصاب فلسطين ودماء بورما والشام وآخرها الفلوجة الآن وَحصارٌ وقتل وتدمير وانتهاك وضياع لحقوق الإنسان..مما يصيبنا نحن بالقهر والأحزان خاصةً حين يكون حالنا كقول الشاعر..
لاخيل عندك تعطيها و لا مالُ فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
كيف لا يجب النطق وأنت ترى تحالفاً مُستغرباً بين الرافضة والصليبيين لمحاربة أهل السنة عموماً وإضعافهم بدعوى الحرب على الإرهاب من داعش ونصرة وقاعدة هم صنعوها ودعموها!
تحزن وأنت ترى إخوانك يحاصرون ويقتلون وليس بيدك حيلة! تحزن حين تشعر بأمةٍ كغثاء السيل ضاعت بين الركام ليس من قلّة بل من وهنٍ أصابها!! لكنك تفرح أيضاً نعم تفرح!حين ترى همم َالأبطال في الفلوجة والشام وغيرها من بلاد الإسلام وهم بعزائمهم وبما أوتوا من قوةٍ يقاومون ويدفعون عن بلدانهم الأذى ولا يستسلمون للأسى وليس في أيديهم إلا القليل!ثم يموتون على ذلك!! والحقّ أنه لا عَزَاءَ وَلا مُوَاسَاةَ على حال أهل الفلوجة البطلة ولاحلب الشهباء ولاحمص الرجولة!!فهَؤُلاءِ هم الأَبْطَالُ الذينَ أَعلَنُوا عَدَمَ سُكُوتِهِم عَن الظُلمِ وَالطُغيَانِ فلن أعزّيكم بهم وقد بَذَلُوا دِمَاءَهُم رَخِيصَةً فِي سبيلِ اللهِ دفاعاً عن العرض والمساجد والبلدان ليُثبتوا أن جذوةَ الخيرِ في الأمة لا تنطفئ..فلا عَزَاءَ بل تَهنِئَةٌ وَغِبْطَةٌ بِهَذِهِ البُطُولاتِ التي نَرَاهَا وَالتَضحِيَاتِ التي يُقَدِمُونَهَا وَالصُعُوبَاتِ التي يُلاقُونَها أمام تحالفٍ وحشدٍ وأحزابٍ اتخذت التشيع ستاراً وهي تُلهب الأرضَ على أهلِ السنة ناراً!!وهؤلاء الأبطال وقفوا درعاً وتضحية ى عن الأمة كلَّها أمام حقدٍ صفويًّ مجوسي يدّعي مقاومة الصهاينة وهو حرب لأهل السنة!!وإن لم ننتبه له فسيصلنا شرّهم وحقدهم الطائفي! فَأَيُّ كَلامٍ يُقَالُ يُحِيطَ بِهِمَمِ الفلوجة والشام العَالِيَةِ..وَأَيُّ وَصفٍ يُجَسِّدَ لَنَا هَذِهِ التَضحِيَات الغالية فلا عزاء لهم بل تهنئة راقية!أما العزاء فهو لنا نحن..نعم نحن!
نُعَزِي أَنفُسنا وأمتنا أن بتنا بهذا الضعف والمهانة!! نُعزّي أنفسنا حين تُراق دماءَ إخواننا ولا حول لنا ولا قوة! نُعزي أنفسنا حين أصبح ديننا لدى البعض مظاهر وشعارات!وشُوِّه التديّن في الأخلاق والعادات.. حتى القيم غابت وغلبت التفاهات!! ضعفت كلمةُ العَالِم وغاب دور الحاكم.. حتى العروبة والقيم وسط الركام ضاعت!! استأسد القرد ونطق الرويبضة ووسدَ كثيرٌ من الأمر إلى غير أهله!! فضاعت الكلمة وأريقت الدماء وضاعت الكرامة فكانت المهانة! أفلا نقبل العزاء بنا إذن؟!
سئم القصيدُ وجفت الأقلام ما عاد يجدي بالفصيح كلامُ
ما عاد يُجدي أن نريقَ دموعَنا أو أن تُذيبَ قلوبُنـــــــا الآلامُ
نحكي الهوان على شواطئ لهونا وأمامنا يُتقاذف الإسلام
نبني من الأقوال صرحاً شامخاً والفعلُ دون الشامخات ركامُ!
أُعَزِّيكُم بِفَقْدِ الحَمِيَّةِ لِنُصرَةِ المُسْتَضعَفِينَ..أُعَزِيكُم لِفَقْدِ الغَيَرَةِ مِن البَعضِ عَلى أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ..أُعَزّيكُم بِجِهَادٍ هو ذروة سنام الإسلام لكنه حُورِبَ وَعُطِلَ وَشُوّهَتُهُ فِئَاتٌ تَدّعِي الانْتِسابَ إليهِ بالغلوِّ والتَكْفِيرِ وَالتْفجِيرِ وَالعَبَثِ بِالأَمنِ وَالأَوطَانِ.. أُعَزِيكُم بِالوَلاءِ والبَراءِ الذي نُسي أو كاد فِي النُفُوسِ..أُعَزِيكُم بِمن أمْضوا أعمارهم يتمرّغون عَلى أَعتَابِ الغير يُقَدِّمُونَ لَهُم الوَلاءَ عَلى حِسَابِ أَوطَانِهِم وَيَسكُتون عن جَرَائِمِهِم وَيَبحَثُونَ عَن الحُلُولِ عِنْدَهُم ولا حل!!ويعلّقون الأمل بهم بلا أمل.. أُعَزِيكُم بِجُيُوشٍ وَقِيَادَاتٍ ملأت الدنيا ضجيجاً وابتزازاً بدعوى المُقَاوَمَةَ والبعث وقواتٍ للردع فَإِذَا بِهَا تَنْقَلِبُ عَلَى شُعُوبِهَا تُبِيدُهُم وَتَقْصِفُهُم بِأَنواعِ الإِبَادَةِ..نَستَقِبِلُ العَزَاءَ بمن يُعَلِقُونَ آمالَهُم لإِنقَاذِ المسلمين عَلى مُنَظَمَاتٍ عَالَمِيَةٍ وَجِهَاتٍ دَولِيَةٍ يَتَوَقَعُونَ مِنَهَا نُصرَةً وَحِمَايَةً.. أُعَزِيكُم حِينَ يُوجَدُ بَينَنَا ومن بني جلدتنا مَن لا يَسْتَطِيعُ حَبْسَ غُثَاءِ لِسَانِهِ وَسُمَّ قَلَمِهِ مِن التّهَجُّمِ عَلى هَؤُلاءِ الأَبطَالِ وهم يُؤذوْن ويُحاصرون وَلا يَتَوَرّعُ عَن اِتِهَامِهِم ظُلمَاً بأنهم تطرف وإرهاب وهم عن أرضهم وأهلهم يدافعون.. أعزيكم بجهاد وخلافة انتسب إليهما متطرفون دواعش للتشويه والإرجاف وهم أصلاً عملاء!نرى جهادهم المزعوم تسهيلاً لدخول الأعداء لبلاد المسلمين حسبنا الله ونعم الوكيل عليهم ..
أُعَزِيكُم بِالمُقَدَسَاتِ التي تُحرَقُ وَتُهدَمُ وَتُهَانُ..أُعَزِيكُم بِهَذا الجُبنِ في النُفُوسِ وَالغَرامِ بِالمُتَعِ الرّخِيصَةِ فِي أَحلَكِ الأَيامِ وافْتِتَانٍ بِالمَلاهِي وَالمَعَازِفِ فِي أَشدِ المِحَنِ..أُعَزِيكُم بِذُّلِ حُبِّ الدُنْيَا وَكَرَاهِيَةِ المَوتِ والخوف عَن الإِقْدَامِ وَنَزِعِ المَهَابَةِ.. أُعَزِيكُم بِإعلامٍ يُسَاهِمُ فِي جِرَاحِنَا بِالرقْصِ عَليهَا وَالعَبَثِ بِتَارِيخِنَا وَنشرِ الرّذِيلَةِ وَتَقْويضِ الفَضِيلَةِ أحسن الله عزاءكم في شهر رمضان الذي تسرقه منا الكثير من هذه القنوات ببرامج تجمعهم على الفساد والإفساد!!أُعَزِيكُم بِأَغْنِيَاءَ بَخِلُوا بِأَموَلِهِم عَن إِخْوَانِهم المُسلِمِينَ المُحْتَاجِينَ..وَبِعُلَمَاءَ اِنشَغَلُوا عَن قَضَايَا أُمتِهِم بِالاخْتِلافَاتٍ،َوبِمُتَعَجِّلِينَ وأصحاب غلوّ وَفكرٍ ضَالٍ أرادوا زَجَّ أُمْتِهِم فِي أُتُونِ حَربٍ لَم تَسْتَعِدَ لَهَا وَفِتَنٍ لا طَاقَةَ لَهَا بها..أُعَزِيكُم بِصَحَافَةٍ يُسَوِّقُ أغلبُها للنِّفَاقِ وَالمُجَامَلَةِ والإفساد.. أُعَزِيكُم بِمن يَرى نَفسَهُ مُثَقَفَاً وَمُفَكِراً وكاتباً صحفياً لامعاً لكن بطولة قلمه أن ينال من المتدينين ثم يَتطاولُ على الدِينِ والشَرعِ الحَكَيمِ وَيَتَعَدى على الثَوَابِت والدين وَيُشغل المُجْتَمَعِ بقضايا تافهة لمصلحته وفكره وحده((إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)) هؤلاء لم يستطيعوا حبس لسانهم عن اتهام هؤلاء الأبطال فأصبحوا عوناً للشيطان!.. أُعَزِيكُم بِفَسَادٍ وَرَشْوَةٍ وَسُوءِ أَخلاقٍ عبثت بالناس وبمعاملاتهم.. أُعَزِيكُم بِأُمَّةٍ بُلِيَت بِتَفرِيقِ الكَلِمَةِ وَتَصَارُعِ الأَهواءِ.. حُجِبَت بِالجهلِ وَالكَبْتِ عَن مَعرِفَةِ أَحوالِ عَدُوِّهِم وَصَنَائِعِهِم..أُمَّةٌ اِسْتَسلَمت للضعف وَسَيطَرَ عَليهَا الوَهنُ وَعَبثَ بِهَا الوَهم..أُعَزِيكُم بِضَعفِ شعيرة الأَمرِ بِالمَعرُوفِ والنَّهيِ عَن المُنكَرِ والاحْتِسَابِ لأَجلِهِ لَدى كَثيرٍ مِن النَّاسِ..أَعزيكم بفِئَاتٍ من الشباب غَيرِ مُنْضَبِطَةٍ تزعزع الأمنَ فِي بلادها بلا شَرعَ يَدعَمُهَا وَلا عَقْلَ يَضْبِطُهَا وَتُقَوِّضَ مَشَارِيعِ الخَيرِ..وبشبابَ آخرين تناسوا القيم والأخلاق ليسيروا في ركاب غيرهم بشذوذ الخلق وسيء المواصفات وفوضى الطرقات..
فَأَحسَنَ الله عَزَاءَكُم بِمَعَالِمِ الحق والدِينِ التي ضَعُفَت فِي النَّفُوسِ.. أَحسَنَ الله عَزَاءَكُم بِالإِنسَانِ وَهُوَ حَيٌّ..وَبالنَّخْوَةِ وَهِيَ أَصلُ.. وَبالأَرضِ وَالعَرضِ وَهُمَا يُدَنِسَانِ..أَحسَنَ الله عَزَاءَكُم فِينَا نَحنُ الأَحياءَ.. أما أُولَئِكِ الشُرَفَاء الذين يُدَافِعُونَ عَن حُريَتِهِم وَأَرضِهِم ويفعلون ما بوسعهم وَيَتَسَابَقُونَ بِالبُطُولاتِ وَهُم غُصَةٌ فِي حَلوق الأَعدَاءِ فهنيئاً لهم لأنهم أحياءُ وإن ماتوا!!والنصر بإذن الله موعدهم ولو تشاءم الناس من مصابهم!إن احتسبوا ثم قُتلوا فهُم بِإذنِ اللهِ كما قال تعالى((أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرْزَقُونَ))وَسَيُحَقِقُ اللهَ لَهُم بِتَضْحِيَاتِهِم مَا يَطْلُبُونَ؟ أَما المُصابون ممن يستحق العزاء فهم مَن رَكَنَ للَهوِ الحَيَاةِ الدُنيَا وَتَرَكَ عَزَائِمَ الأُمُورِ وَخَذَلَ إِخوَانَهُ ثم يزعمُ أنه حيٌّ!
يا رُبّ حيٍّ ترابُ الأرض مسكنُه ورُبّ ميْتٍ على أقدامه انتصبا
َعباد الله..ياتُرى كَيفَ وَصَلَ بِنَا الحَالُ إِلى هَذا المُصَاب؟لِمَاذَا تَأَخرنَا وَنَحنُ المقَدَّمُونَ؟!ألم يكن تاريخُنا فتحاً للبلاد وعزةً للإسلام؟! ألم تكن تعاليمُ ديننا قائدةً وقيمُ أخلاقنا رائدةً؟! علّمْنا الأممَ حسن التعامل والبناء والعلوم والثقافات! فإذا بنا وبهواننا في آخر ركب الأمم والحضارات.. وهذا الموت!!
قد مات قـوم ومـا ماتـت مكارمهـم وعاش قوم وهم في الناس أموات
أُمَتُنَا كَانت قَائِدَةً لا مُنقَادَةً،مَتْبُوعَةً لا تَابِعة،يَدُهَا هِيَ العُليَّا وَليست السُفلَى.. تُقيمُ التوحيدَ وتُحاربُ الشركَ والبدعة.. أُمَّةٌ للعَدلِ وَالقِسطِ والمهابة والنصرة للضعيف والأخذ على يد الظالم..بهذه المبادئ انتصرت وانتشرت.. فلما تخلت عنها ضعفت وانحدرت..وَأَصَابَهَا الذُلُّ وَالوَهَن.. ضاعت الأرض وانتُهك العرضُ وأُصِيبت بِسَائِر المِحن.. نُكِّئَت جِراحُهَا،حَتَى اُستُبِيحت حُرُمَاتُهَا،فَتَجَرَّعت الجراح وَقُذِفَ فِي قُلُوبِ بَنِيهَا الرُّعب،وَسَيطَرَ الظُلمُ ليُصبَحَ وَاقِعَاً،حَتَى الشَجَّبُ لمصابها وَالإِدَانةُ والاسْتِنكَار بَات مَفقُودَاً..ولم يصبح الدعاء ُوالقنوت موجوداً.. وضعف صوت العقلاء والناصحين حتى لا يكاد يُسمع.. وغاب عن الأمة السببُ الرَئِيسِ لِكُلِّ هَذِهِ البَلايَا((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ونصرُ الله يقين((كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ))(( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ))لكنّ هذا الوعد لا يأتي دونما قيد أو شرط(( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ))فسنةُ الله لا تُحابي أحداً وحين تُقصِّر الأمةُ وتُفرِّطُ وتتخاذلُ أو تأخذ من الإسلام ما تشاء وتهمش منه ما تشاء وتسيرُ في ركب الأعداء فهي تهدم بنيانها.. وتهزم نفسها قبل عدوها..(( يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا))
أيها المسلمون..أيامٌ عصيبة وفتن يموج بعضها ببعض كموجِ بحرٍ لجّي.. تشويهٌ للإسلام وتضييق عليه وإراقة دماء أهله وحصار مدنه ولا حلّ لكل ذلك إلا بالرجوع للإسلام وفهمه وتطبيقه..نجمع الكلمة ونذرُ الخلاف والتنازع الذي يشغلنا ويُذهبُ قوَّتنا..ويضعفُ رايتَنا.. أمةٌ ترفعُ الحقَّ وتقيمُ العدلَ..وتعيدُ الحقَّ وترفعُ الظلمَ وتعدّ للعدو ما تستطيعُ من قوة ورؤية وليس النصرُ عنها ببعيد..وليس ذلك على الله بعزيز..فهذه القلوب الشجاعة والأفئدة المنطلقة من الحق هنا وهناك تبعث الأمل..وبالحزم والعزم نُحيي مواتَ القلوب وضعفَ النفوس مع يقينٍ بالله واتكّالٍ عليه!فكم مرّ بتاريخنا أزمات من صليبيين وتتار وتسلّط واستعمار حتى نُعيَ الإسلام بعدد من البلاد..فإذا الأمل ُينبعثُ من تحت الركام على يد أبطالٍ أقاموا الدين ونصروا الإسلام من قادة ٍعظام وأئمةٍ أعلام..والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
أَيُّهَا الإخوة..إنَّ المسلمَ لا يُقِيمُ العَزَاءَ عَلى شَيءٍ فَاتَهُ،ولا يَنْدُبُ حَظَّهُ لأَمرٍ نَزَلَ بِهِ،وَلَكِنَّهُ يَنظُرُ وَيَتَأَملُ سُنَنَ اللهِ يَبْحَثُ فِي أَسبَابِ النَّصرِ وَالهزِيمةِ فَالانتِصَارُ وَالهزيمةُ لَيست حُظُوظَاً عَميَاءَ،ولا هيَّ خبط عشواء فالطغاةُ الظالمونَ والأَعداءُ الغَاضِبُونَ مَا تقوّوا إِلا بِضَعفِ كَثيرٍ مِن القُلُوبِ في إِيمانِهَا، وَاِفْتِقَار الصُفُوفِ إِلى الوِحدَةِ وَالتَلاحُم بَينَ القَادَةِ وَشُعُوبِهَا..والمتَأَمِّلُ في هَزَائِم الأُمَّةِ،وَصِرَاعِهَا مَعَ أَعدَائِهَا والتطرف والغلو الذي أصاب بعضها بمقتلٍ سيُدرِكُ أَن الجهودَ الماكرةِ في مَيَادِينِ التَربيةِ والتعليمِ والإعلامِ، قد آتت كثيراً مِن أُكُلِّهَا، والمرّ مِن ثِمَارِهَا..في إبعاد الناس عن القُرآنِ الكَريم وتجهيلهم بدينهم وإضعاف منابر الدين وهم عن ذلك غافلونَ ولاحول ولا قوة إلا بالله..
الشرط واضح والوعد صادق..(إن تنصروا الله ينصرْكم ويثبّتْ أقدامكم)الانتصارُ عَلى الأَعداءِ وَلَو طَالَ الزَمَان بالإيمانِ بِاللهِ وَإِخلاصِ التَوحيدِ والعِبَادَةِ له والعَمَلِ بِالإِسلامِ وَالانطلاق مِن منهجهِ.. ذَلِكُم هُوَ مَصدرُ الطَاقَةِ وَهُو الرايةُ التي إِذَا اِرتفعت تحقّقت الغايةُ، بالتزام الشورى منهجاً وعدم التعجل مبدأً والسعيَ لِحِمَايَةِ الأَوطانِ مِن الفِتَنِ وَتَوحيدِ الكَلَمة وَرأب الصَدعِ والبشائرُ بحمد الله موجودة بإقبالٍ على الدين وتمسّكٍ بتعاليمه ودخول غير المسلمين فيه..وَالخيرُ مَحفُوظٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَا اِستَقَامت على الطريقةِ وأَصلَحَت المسيرةَ وقَامَ كُلٌّ مِنَا بِدورِهِ فِي رَفعِ مُصَابِ الأُمَّةِ وَنحن بِتَكَاتُفِنَا واِجتِمَاعِنَا قَادَةً وَشُعُوبَاً لِغَرَضِ المنَاصَحَةِ لا المواجهة والتعاونِ والتَرابُطِ وَليسَ الحقد والتباغض نُقيم العلومَ المفيدةِ والتربيةَ الصحيحةِ فَإِنَّنَا بِإِذِنِ الله مَنصُورُونَ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين..واكتب النصر للإسلام والمسلمين..اللهم إنا نشكو إليك حال إخواننا المستضعفين والمحاصرين بالفلوجة والشام واليمن وفلسطين.. لا ناصر لهم إلا أنت نسألك يا ألله أن تنصرهم وتدحرَعدوهم وتبسطَ أمنهم وتحمي أعراضهم وأولادهم اللهم قد اجتمع الطغاة عندهم وتآلبوا عليهم..فعليك بهم فإنهم لايعجزونك..اهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين من بينهم سالمين يارب العالمين .أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده وبعد..
يهيء الله مواسم الخير ليزداد العباد منه قُرباً وطاعة وعبادة وهاهو رمضان بخيره وأجره وفضله على الأبواب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشّرُ به والصوم لله وهو يجزي به جاءكم رمضان ببركته وخيره فماذا أنتم فاعلون وبم تستعدون؟!هل بالولائم والبرامج الفضائية؟! أم بضياع الأوقات والنوم والسهر؟ليضيع رمضان كما ضاع باقي العام! رمضان أتى والقلب هفا.. رغبة في الطاعة وبعداً عن المعصية فجِدِّوا بالتوبةِ َعباد الله واغتنموا شهركم بالبر والاحسان والتوبة والغفران لتكسبوا القبول والرضوان وتجددوا التقوى لله الرحيم الرحمن ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))فيا هناء من بادر بالطاعة.. وحافظ على الجُمع والجماعة..وأقبل على الأجور الكثيرة في رمضان بقليل البضاعة أعدّ أخي المسلم لرمضان برنامجاً مملوءً بالعبادة لتكسب فيه الحسنات من أثر الطاعة..وبادر بوصل الأرحام وبذل الإحسان وتصالح استعداداً لقيام الساعة والمغبون من أدرك رمضان فلم يغفر له..فاستعدوا َعباد الله لشهركم الكريم بالعمل الجليل وأبشروا بالقبول والغفران..اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه للعمل الصالح والقبول والغفران وأدم على بلادنا وبلاد الإسلام الأمن والأمان جف جندنا المرابطين والحمد لله رب العالمين
(( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ*إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ))
يتجدّد الجرح ويتأكّد الحديث مَعَ اِستِمرَارِ مَصَائِبِ المسلمين منذ أوّلها باغتصاب فلسطين ودماء بورما والشام وآخرها الفلوجة الآن وَحصارٌ وقتل وتدمير وانتهاك وضياع لحقوق الإنسان..مما يصيبنا نحن بالقهر والأحزان خاصةً حين يكون حالنا كقول الشاعر..
لاخيل عندك تعطيها و لا مالُ فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
كيف لا يجب النطق وأنت ترى تحالفاً مُستغرباً بين الرافضة والصليبيين لمحاربة أهل السنة عموماً وإضعافهم بدعوى الحرب على الإرهاب من داعش ونصرة وقاعدة هم صنعوها ودعموها!
تحزن وأنت ترى إخوانك يحاصرون ويقتلون وليس بيدك حيلة! تحزن حين تشعر بأمةٍ كغثاء السيل ضاعت بين الركام ليس من قلّة بل من وهنٍ أصابها!! لكنك تفرح أيضاً نعم تفرح!حين ترى همم َالأبطال في الفلوجة والشام وغيرها من بلاد الإسلام وهم بعزائمهم وبما أوتوا من قوةٍ يقاومون ويدفعون عن بلدانهم الأذى ولا يستسلمون للأسى وليس في أيديهم إلا القليل!ثم يموتون على ذلك!! والحقّ أنه لا عَزَاءَ وَلا مُوَاسَاةَ على حال أهل الفلوجة البطلة ولاحلب الشهباء ولاحمص الرجولة!!فهَؤُلاءِ هم الأَبْطَالُ الذينَ أَعلَنُوا عَدَمَ سُكُوتِهِم عَن الظُلمِ وَالطُغيَانِ فلن أعزّيكم بهم وقد بَذَلُوا دِمَاءَهُم رَخِيصَةً فِي سبيلِ اللهِ دفاعاً عن العرض والمساجد والبلدان ليُثبتوا أن جذوةَ الخيرِ في الأمة لا تنطفئ..فلا عَزَاءَ بل تَهنِئَةٌ وَغِبْطَةٌ بِهَذِهِ البُطُولاتِ التي نَرَاهَا وَالتَضحِيَاتِ التي يُقَدِمُونَهَا وَالصُعُوبَاتِ التي يُلاقُونَها أمام تحالفٍ وحشدٍ وأحزابٍ اتخذت التشيع ستاراً وهي تُلهب الأرضَ على أهلِ السنة ناراً!!وهؤلاء الأبطال وقفوا درعاً وتضحية ى عن الأمة كلَّها أمام حقدٍ صفويًّ مجوسي يدّعي مقاومة الصهاينة وهو حرب لأهل السنة!!وإن لم ننتبه له فسيصلنا شرّهم وحقدهم الطائفي! فَأَيُّ كَلامٍ يُقَالُ يُحِيطَ بِهِمَمِ الفلوجة والشام العَالِيَةِ..وَأَيُّ وَصفٍ يُجَسِّدَ لَنَا هَذِهِ التَضحِيَات الغالية فلا عزاء لهم بل تهنئة راقية!أما العزاء فهو لنا نحن..نعم نحن!
نُعَزِي أَنفُسنا وأمتنا أن بتنا بهذا الضعف والمهانة!! نُعزّي أنفسنا حين تُراق دماءَ إخواننا ولا حول لنا ولا قوة! نُعزي أنفسنا حين أصبح ديننا لدى البعض مظاهر وشعارات!وشُوِّه التديّن في الأخلاق والعادات.. حتى القيم غابت وغلبت التفاهات!! ضعفت كلمةُ العَالِم وغاب دور الحاكم.. حتى العروبة والقيم وسط الركام ضاعت!! استأسد القرد ونطق الرويبضة ووسدَ كثيرٌ من الأمر إلى غير أهله!! فضاعت الكلمة وأريقت الدماء وضاعت الكرامة فكانت المهانة! أفلا نقبل العزاء بنا إذن؟!
سئم القصيدُ وجفت الأقلام ما عاد يجدي بالفصيح كلامُ
ما عاد يُجدي أن نريقَ دموعَنا أو أن تُذيبَ قلوبُنـــــــا الآلامُ
نحكي الهوان على شواطئ لهونا وأمامنا يُتقاذف الإسلام
نبني من الأقوال صرحاً شامخاً والفعلُ دون الشامخات ركامُ!
أُعَزِّيكُم بِفَقْدِ الحَمِيَّةِ لِنُصرَةِ المُسْتَضعَفِينَ..أُعَزِيكُم لِفَقْدِ الغَيَرَةِ مِن البَعضِ عَلى أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ..أُعَزّيكُم بِجِهَادٍ هو ذروة سنام الإسلام لكنه حُورِبَ وَعُطِلَ وَشُوّهَتُهُ فِئَاتٌ تَدّعِي الانْتِسابَ إليهِ بالغلوِّ والتَكْفِيرِ وَالتْفجِيرِ وَالعَبَثِ بِالأَمنِ وَالأَوطَانِ.. أُعَزِيكُم بِالوَلاءِ والبَراءِ الذي نُسي أو كاد فِي النُفُوسِ..أُعَزِيكُم بِمن أمْضوا أعمارهم يتمرّغون عَلى أَعتَابِ الغير يُقَدِّمُونَ لَهُم الوَلاءَ عَلى حِسَابِ أَوطَانِهِم وَيَسكُتون عن جَرَائِمِهِم وَيَبحَثُونَ عَن الحُلُولِ عِنْدَهُم ولا حل!!ويعلّقون الأمل بهم بلا أمل.. أُعَزِيكُم بِجُيُوشٍ وَقِيَادَاتٍ ملأت الدنيا ضجيجاً وابتزازاً بدعوى المُقَاوَمَةَ والبعث وقواتٍ للردع فَإِذَا بِهَا تَنْقَلِبُ عَلَى شُعُوبِهَا تُبِيدُهُم وَتَقْصِفُهُم بِأَنواعِ الإِبَادَةِ..نَستَقِبِلُ العَزَاءَ بمن يُعَلِقُونَ آمالَهُم لإِنقَاذِ المسلمين عَلى مُنَظَمَاتٍ عَالَمِيَةٍ وَجِهَاتٍ دَولِيَةٍ يَتَوَقَعُونَ مِنَهَا نُصرَةً وَحِمَايَةً.. أُعَزِيكُم حِينَ يُوجَدُ بَينَنَا ومن بني جلدتنا مَن لا يَسْتَطِيعُ حَبْسَ غُثَاءِ لِسَانِهِ وَسُمَّ قَلَمِهِ مِن التّهَجُّمِ عَلى هَؤُلاءِ الأَبطَالِ وهم يُؤذوْن ويُحاصرون وَلا يَتَوَرّعُ عَن اِتِهَامِهِم ظُلمَاً بأنهم تطرف وإرهاب وهم عن أرضهم وأهلهم يدافعون.. أعزيكم بجهاد وخلافة انتسب إليهما متطرفون دواعش للتشويه والإرجاف وهم أصلاً عملاء!نرى جهادهم المزعوم تسهيلاً لدخول الأعداء لبلاد المسلمين حسبنا الله ونعم الوكيل عليهم ..
أُعَزِيكُم بِالمُقَدَسَاتِ التي تُحرَقُ وَتُهدَمُ وَتُهَانُ..أُعَزِيكُم بِهَذا الجُبنِ في النُفُوسِ وَالغَرامِ بِالمُتَعِ الرّخِيصَةِ فِي أَحلَكِ الأَيامِ وافْتِتَانٍ بِالمَلاهِي وَالمَعَازِفِ فِي أَشدِ المِحَنِ..أُعَزِيكُم بِذُّلِ حُبِّ الدُنْيَا وَكَرَاهِيَةِ المَوتِ والخوف عَن الإِقْدَامِ وَنَزِعِ المَهَابَةِ.. أُعَزِيكُم بِإعلامٍ يُسَاهِمُ فِي جِرَاحِنَا بِالرقْصِ عَليهَا وَالعَبَثِ بِتَارِيخِنَا وَنشرِ الرّذِيلَةِ وَتَقْويضِ الفَضِيلَةِ أحسن الله عزاءكم في شهر رمضان الذي تسرقه منا الكثير من هذه القنوات ببرامج تجمعهم على الفساد والإفساد!!أُعَزِيكُم بِأَغْنِيَاءَ بَخِلُوا بِأَموَلِهِم عَن إِخْوَانِهم المُسلِمِينَ المُحْتَاجِينَ..وَبِعُلَمَاءَ اِنشَغَلُوا عَن قَضَايَا أُمتِهِم بِالاخْتِلافَاتٍ،َوبِمُتَعَجِّلِينَ وأصحاب غلوّ وَفكرٍ ضَالٍ أرادوا زَجَّ أُمْتِهِم فِي أُتُونِ حَربٍ لَم تَسْتَعِدَ لَهَا وَفِتَنٍ لا طَاقَةَ لَهَا بها..أُعَزِيكُم بِصَحَافَةٍ يُسَوِّقُ أغلبُها للنِّفَاقِ وَالمُجَامَلَةِ والإفساد.. أُعَزِيكُم بِمن يَرى نَفسَهُ مُثَقَفَاً وَمُفَكِراً وكاتباً صحفياً لامعاً لكن بطولة قلمه أن ينال من المتدينين ثم يَتطاولُ على الدِينِ والشَرعِ الحَكَيمِ وَيَتَعَدى على الثَوَابِت والدين وَيُشغل المُجْتَمَعِ بقضايا تافهة لمصلحته وفكره وحده((إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)) هؤلاء لم يستطيعوا حبس لسانهم عن اتهام هؤلاء الأبطال فأصبحوا عوناً للشيطان!.. أُعَزِيكُم بِفَسَادٍ وَرَشْوَةٍ وَسُوءِ أَخلاقٍ عبثت بالناس وبمعاملاتهم.. أُعَزِيكُم بِأُمَّةٍ بُلِيَت بِتَفرِيقِ الكَلِمَةِ وَتَصَارُعِ الأَهواءِ.. حُجِبَت بِالجهلِ وَالكَبْتِ عَن مَعرِفَةِ أَحوالِ عَدُوِّهِم وَصَنَائِعِهِم..أُمَّةٌ اِسْتَسلَمت للضعف وَسَيطَرَ عَليهَا الوَهنُ وَعَبثَ بِهَا الوَهم..أُعَزِيكُم بِضَعفِ شعيرة الأَمرِ بِالمَعرُوفِ والنَّهيِ عَن المُنكَرِ والاحْتِسَابِ لأَجلِهِ لَدى كَثيرٍ مِن النَّاسِ..أَعزيكم بفِئَاتٍ من الشباب غَيرِ مُنْضَبِطَةٍ تزعزع الأمنَ فِي بلادها بلا شَرعَ يَدعَمُهَا وَلا عَقْلَ يَضْبِطُهَا وَتُقَوِّضَ مَشَارِيعِ الخَيرِ..وبشبابَ آخرين تناسوا القيم والأخلاق ليسيروا في ركاب غيرهم بشذوذ الخلق وسيء المواصفات وفوضى الطرقات..
فَأَحسَنَ الله عَزَاءَكُم بِمَعَالِمِ الحق والدِينِ التي ضَعُفَت فِي النَّفُوسِ.. أَحسَنَ الله عَزَاءَكُم بِالإِنسَانِ وَهُوَ حَيٌّ..وَبالنَّخْوَةِ وَهِيَ أَصلُ.. وَبالأَرضِ وَالعَرضِ وَهُمَا يُدَنِسَانِ..أَحسَنَ الله عَزَاءَكُم فِينَا نَحنُ الأَحياءَ.. أما أُولَئِكِ الشُرَفَاء الذين يُدَافِعُونَ عَن حُريَتِهِم وَأَرضِهِم ويفعلون ما بوسعهم وَيَتَسَابَقُونَ بِالبُطُولاتِ وَهُم غُصَةٌ فِي حَلوق الأَعدَاءِ فهنيئاً لهم لأنهم أحياءُ وإن ماتوا!!والنصر بإذن الله موعدهم ولو تشاءم الناس من مصابهم!إن احتسبوا ثم قُتلوا فهُم بِإذنِ اللهِ كما قال تعالى((أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرْزَقُونَ))وَسَيُحَقِقُ اللهَ لَهُم بِتَضْحِيَاتِهِم مَا يَطْلُبُونَ؟ أَما المُصابون ممن يستحق العزاء فهم مَن رَكَنَ للَهوِ الحَيَاةِ الدُنيَا وَتَرَكَ عَزَائِمَ الأُمُورِ وَخَذَلَ إِخوَانَهُ ثم يزعمُ أنه حيٌّ!
يا رُبّ حيٍّ ترابُ الأرض مسكنُه ورُبّ ميْتٍ على أقدامه انتصبا
َعباد الله..ياتُرى كَيفَ وَصَلَ بِنَا الحَالُ إِلى هَذا المُصَاب؟لِمَاذَا تَأَخرنَا وَنَحنُ المقَدَّمُونَ؟!ألم يكن تاريخُنا فتحاً للبلاد وعزةً للإسلام؟! ألم تكن تعاليمُ ديننا قائدةً وقيمُ أخلاقنا رائدةً؟! علّمْنا الأممَ حسن التعامل والبناء والعلوم والثقافات! فإذا بنا وبهواننا في آخر ركب الأمم والحضارات.. وهذا الموت!!
قد مات قـوم ومـا ماتـت مكارمهـم وعاش قوم وهم في الناس أموات
أُمَتُنَا كَانت قَائِدَةً لا مُنقَادَةً،مَتْبُوعَةً لا تَابِعة،يَدُهَا هِيَ العُليَّا وَليست السُفلَى.. تُقيمُ التوحيدَ وتُحاربُ الشركَ والبدعة.. أُمَّةٌ للعَدلِ وَالقِسطِ والمهابة والنصرة للضعيف والأخذ على يد الظالم..بهذه المبادئ انتصرت وانتشرت.. فلما تخلت عنها ضعفت وانحدرت..وَأَصَابَهَا الذُلُّ وَالوَهَن.. ضاعت الأرض وانتُهك العرضُ وأُصِيبت بِسَائِر المِحن.. نُكِّئَت جِراحُهَا،حَتَى اُستُبِيحت حُرُمَاتُهَا،فَتَجَرَّعت الجراح وَقُذِفَ فِي قُلُوبِ بَنِيهَا الرُّعب،وَسَيطَرَ الظُلمُ ليُصبَحَ وَاقِعَاً،حَتَى الشَجَّبُ لمصابها وَالإِدَانةُ والاسْتِنكَار بَات مَفقُودَاً..ولم يصبح الدعاء ُوالقنوت موجوداً.. وضعف صوت العقلاء والناصحين حتى لا يكاد يُسمع.. وغاب عن الأمة السببُ الرَئِيسِ لِكُلِّ هَذِهِ البَلايَا((أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ونصرُ الله يقين((كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ))(( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ))لكنّ هذا الوعد لا يأتي دونما قيد أو شرط(( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ))فسنةُ الله لا تُحابي أحداً وحين تُقصِّر الأمةُ وتُفرِّطُ وتتخاذلُ أو تأخذ من الإسلام ما تشاء وتهمش منه ما تشاء وتسيرُ في ركب الأعداء فهي تهدم بنيانها.. وتهزم نفسها قبل عدوها..(( يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا))
أيها المسلمون..أيامٌ عصيبة وفتن يموج بعضها ببعض كموجِ بحرٍ لجّي.. تشويهٌ للإسلام وتضييق عليه وإراقة دماء أهله وحصار مدنه ولا حلّ لكل ذلك إلا بالرجوع للإسلام وفهمه وتطبيقه..نجمع الكلمة ونذرُ الخلاف والتنازع الذي يشغلنا ويُذهبُ قوَّتنا..ويضعفُ رايتَنا.. أمةٌ ترفعُ الحقَّ وتقيمُ العدلَ..وتعيدُ الحقَّ وترفعُ الظلمَ وتعدّ للعدو ما تستطيعُ من قوة ورؤية وليس النصرُ عنها ببعيد..وليس ذلك على الله بعزيز..فهذه القلوب الشجاعة والأفئدة المنطلقة من الحق هنا وهناك تبعث الأمل..وبالحزم والعزم نُحيي مواتَ القلوب وضعفَ النفوس مع يقينٍ بالله واتكّالٍ عليه!فكم مرّ بتاريخنا أزمات من صليبيين وتتار وتسلّط واستعمار حتى نُعيَ الإسلام بعدد من البلاد..فإذا الأمل ُينبعثُ من تحت الركام على يد أبطالٍ أقاموا الدين ونصروا الإسلام من قادة ٍعظام وأئمةٍ أعلام..والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
أَيُّهَا الإخوة..إنَّ المسلمَ لا يُقِيمُ العَزَاءَ عَلى شَيءٍ فَاتَهُ،ولا يَنْدُبُ حَظَّهُ لأَمرٍ نَزَلَ بِهِ،وَلَكِنَّهُ يَنظُرُ وَيَتَأَملُ سُنَنَ اللهِ يَبْحَثُ فِي أَسبَابِ النَّصرِ وَالهزِيمةِ فَالانتِصَارُ وَالهزيمةُ لَيست حُظُوظَاً عَميَاءَ،ولا هيَّ خبط عشواء فالطغاةُ الظالمونَ والأَعداءُ الغَاضِبُونَ مَا تقوّوا إِلا بِضَعفِ كَثيرٍ مِن القُلُوبِ في إِيمانِهَا، وَاِفْتِقَار الصُفُوفِ إِلى الوِحدَةِ وَالتَلاحُم بَينَ القَادَةِ وَشُعُوبِهَا..والمتَأَمِّلُ في هَزَائِم الأُمَّةِ،وَصِرَاعِهَا مَعَ أَعدَائِهَا والتطرف والغلو الذي أصاب بعضها بمقتلٍ سيُدرِكُ أَن الجهودَ الماكرةِ في مَيَادِينِ التَربيةِ والتعليمِ والإعلامِ، قد آتت كثيراً مِن أُكُلِّهَا، والمرّ مِن ثِمَارِهَا..في إبعاد الناس عن القُرآنِ الكَريم وتجهيلهم بدينهم وإضعاف منابر الدين وهم عن ذلك غافلونَ ولاحول ولا قوة إلا بالله..
الشرط واضح والوعد صادق..(إن تنصروا الله ينصرْكم ويثبّتْ أقدامكم)الانتصارُ عَلى الأَعداءِ وَلَو طَالَ الزَمَان بالإيمانِ بِاللهِ وَإِخلاصِ التَوحيدِ والعِبَادَةِ له والعَمَلِ بِالإِسلامِ وَالانطلاق مِن منهجهِ.. ذَلِكُم هُوَ مَصدرُ الطَاقَةِ وَهُو الرايةُ التي إِذَا اِرتفعت تحقّقت الغايةُ، بالتزام الشورى منهجاً وعدم التعجل مبدأً والسعيَ لِحِمَايَةِ الأَوطانِ مِن الفِتَنِ وَتَوحيدِ الكَلَمة وَرأب الصَدعِ والبشائرُ بحمد الله موجودة بإقبالٍ على الدين وتمسّكٍ بتعاليمه ودخول غير المسلمين فيه..وَالخيرُ مَحفُوظٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَا اِستَقَامت على الطريقةِ وأَصلَحَت المسيرةَ وقَامَ كُلٌّ مِنَا بِدورِهِ فِي رَفعِ مُصَابِ الأُمَّةِ وَنحن بِتَكَاتُفِنَا واِجتِمَاعِنَا قَادَةً وَشُعُوبَاً لِغَرَضِ المنَاصَحَةِ لا المواجهة والتعاونِ والتَرابُطِ وَليسَ الحقد والتباغض نُقيم العلومَ المفيدةِ والتربيةَ الصحيحةِ فَإِنَّنَا بِإِذِنِ الله مَنصُورُونَ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ))اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين..واكتب النصر للإسلام والمسلمين..اللهم إنا نشكو إليك حال إخواننا المستضعفين والمحاصرين بالفلوجة والشام واليمن وفلسطين.. لا ناصر لهم إلا أنت نسألك يا ألله أن تنصرهم وتدحرَعدوهم وتبسطَ أمنهم وتحمي أعراضهم وأولادهم اللهم قد اجتمع الطغاة عندهم وتآلبوا عليهم..فعليك بهم فإنهم لايعجزونك..اهلك الظالمين بالظالمين وأخرج المسلمين من بينهم سالمين يارب العالمين .أقول ما تسمعون....
الخطبة الثانية..الحمد لله وحده وبعد..
يهيء الله مواسم الخير ليزداد العباد منه قُرباً وطاعة وعبادة وهاهو رمضان بخيره وأجره وفضله على الأبواب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبشّرُ به والصوم لله وهو يجزي به جاءكم رمضان ببركته وخيره فماذا أنتم فاعلون وبم تستعدون؟!هل بالولائم والبرامج الفضائية؟! أم بضياع الأوقات والنوم والسهر؟ليضيع رمضان كما ضاع باقي العام! رمضان أتى والقلب هفا.. رغبة في الطاعة وبعداً عن المعصية فجِدِّوا بالتوبةِ َعباد الله واغتنموا شهركم بالبر والاحسان والتوبة والغفران لتكسبوا القبول والرضوان وتجددوا التقوى لله الرحيم الرحمن ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))فيا هناء من بادر بالطاعة.. وحافظ على الجُمع والجماعة..وأقبل على الأجور الكثيرة في رمضان بقليل البضاعة أعدّ أخي المسلم لرمضان برنامجاً مملوءً بالعبادة لتكسب فيه الحسنات من أثر الطاعة..وبادر بوصل الأرحام وبذل الإحسان وتصالح استعداداً لقيام الساعة والمغبون من أدرك رمضان فلم يغفر له..فاستعدوا َعباد الله لشهركم الكريم بالعمل الجليل وأبشروا بالقبول والغفران..اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه للعمل الصالح والقبول والغفران وأدم على بلادنا وبلاد الإسلام الأمن والأمان جف جندنا المرابطين والحمد لله رب العالمين