الحمد لله الواحد الأحد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفرد الصمد،وأن محمداً عبده ورسوله خير أمة محمد.. صلى الله و سلم عليه وعلى آله وصحبه ومن لله تعبّد.. وسلم تسليماً.. أما بعد فاتقوا الله عباد الله أيها الإخوة..ليس الغريب أن يقع المنكر وفعل المحرم،في أي بلدٍ وموقعٍ وزمن لكن المستغرب حين يقع المنكر فلا ينكره أحد بل يؤيّده أهله أو تجد من يقرُّه بنشره وتأييده ومحاربة جهات الحسبة عليه في غياب لمعاني العيب والخجل والحياء وإظهارٍ لمعاني الفسق والرشوة والفجور والرقص والغناء وسرقة المال العام ليتقبلها المجتمع ولا ينكرها ويُمارسها واقعاً ملموساً ..عن زينبَ بنتِ جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: ((لا إله إلا الله،ويل للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلّق بأصبعه الإبهام والتي تليها-،فقالت..يا رسول الله،أنهلك وفينا الصالحون؟قال..نعم،إذا كثر الخبث))متفق عليه
إذا كثُر الخبث،فلا يُنكرُ المنكرُ،ولا يُؤمر بالمعروف،وتُشهرُ المنكراتُ في المجتمع.. عند ذلك تستوجب الأمةُ العقوبة والهلاك، فلا تدري أيصِّبحُها العذاب أم يُمسيها.. نسأل الله السلامة والعافية وألا يؤاخذنا بذنوبنا وبما فعله السفهاء منا..
إن قوماً جاءتهم اللعنة على لسان نبيين من أنبياء الله تعالى،لما أنكروا المنكر ثم ما لبثوا أن ألفوه قال صلى الله عليه وسلم..((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول..يا هذا اتق الله ودع ما تصنع،فإنه لا يحل لك،ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده،فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض))،ثم قرأ عليه السلام (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ))،ثم قال..((كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر،ولتأخذن على يد الظالم،ولتأطرنه على الحق أطراً،أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض،ثم ليلعنكم كما لعنهم)).وإجابةُ الدعاءِ،لا تتحقَّقُ إذا عُطّلت شعيرةُ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر،قال صلى الله عليه وسلم..((لتأمرون بالمعروف،ولتنهون عن المنكر،أو ليُوشَكَنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عِقاباً منه،ثم تدعونه فلا يُستجابُ لكم)).فأي حرمان يعيشه المجتمع حين تُحجب عنه أبواب الإجابة ويُصاب بنقص البركة والغلاء والوباء فلا يرفعه الله و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
أيها الأحبة في الله..الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ضمان للمجتمع من تلك العقوبات الإلهية، وصمامُ أمانٍ من انحدار المجتمع في مهاوي الردى((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها،كمثل قوم استهموا على سفينة،فأصاب بعضهم أعلاها،وبعضهم أسفلها،فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم،فقالوا..لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا،فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً،وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) رواه البخاري.. ويقول عليه الصلاة والسلام..((ما من قومٍ يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يُغيّروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب))رواه أبو داوود وغيره وقال صلى الله عليه وسلم..((إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه،فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصة و العامة))رواه أحمد.. والنجاةُ بفضل الله تعالى ثم بتحقيق تلك الشعيرة(( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ))وقال..(( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ*وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))ولم يقل صالحون
أيها الأحبة في الله..إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،من أوجب واجبات الشرع،بل عدّه بعض العلماء من أركان الإسلام،وهو فرض على الأمة بمجموعها(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ))هو ليس مختصاً بجهةٍ حكومية إلا فقط لتنظيمه وحمايته من الفوضى وإلا فالتعاون عليه مصلحة للجميع في إيقاف الفساد والفجور والإرهاب قال صلى الله عليه وسلم..مخاطباً الجميع((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه،وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم،فواجبُ كلّ مواطن ومقيم أنه هو رجل أمن ورجل هيئة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتعاونون عليه لأنه بتحقيق تلك الشعيرة تتحقق الخيرية الموعودة بالقرآن(( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه))وفشوَّها في المجتمعِ دليلُ إيمانه ومعدَنِه النقي ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))
وإن ضعف هذه الشعيرة في مجتمعٍ،ينتجُ عنها لا محالةَ قوةٌ شديدةٌ في الدعوةِ إلى المنكر وإبرازهِ وإحداث الحصانة له،بل يصلُ الأمر إلى الإكراهِ عليه،وينتجُ عنه أيضاً حربٌ للمعروف وإيذاء لأهله واستنكار لمعنى الاحتساب وهجوم الفاسدين واستهزائهم بهذه الشعيرة وهذا طبعٌ حذرنا الله منه بأنه للمنافقين..((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ))، وهؤلاء يسعون جهدهم لتهوينِ تلكَ الشعيرةِ،بإلقاء الشبهات والآراءِ حولها، وينشرونها بدعوى حرية الرأي وتناولٍ لشرائع الدين وجهات الحسبة وكأنها كلأٌ مباح لهم وينبغي أن نفرق بين من ينتقد التصرفات ويطوّر العمل بعقلٍ وإصلاح وبين من يستهزئ ليهدم ويتعدّى على المحرمات وكأنهم يريدون لمجتمعنا الذي تأسس على قيم الأخلاق وتحيكم الشريعة أن يلحق بمن شرعن الفساد والخمور وسائر الشرور.. يقول أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه..يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية..(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)) أو ترى آخرين يوهنون من قدر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصدع بالحق بحجة أن ذلك موجب للفتنة والبلاء، وقد ينتقدنا غيرنا به والسؤال أعطونا دعوة إصلاحيّة صادقة قامت من غير ابتلاء،ومصاعب يلاقيها أصحابها،هل سلم من ذلك الأنبياء حتى يسلم منه غيرهم؟!ثم انظر البارزين من العلماء الصالحين المصلحين عبر التاريخ لأن دورهم في المجتمع كان إصلاحياً بحكمة واضحة بينما ذهب بعضهم في ركام التاريخ رغم فضلهم.. وكما نطالب بالقول بعقلٍ وحكمةٍ وتوازن فإن المجاملة فيه مذمومة..قال صلى الله عليه وسلم في خطبته..((ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحقٍّ إذا علمه )) ((فإنه لا يُقرِّبُ من أجلٍ و لا يباعد من رزقٍ أن يُقال بحقٍ أو يُذكرَ بعظيم))وفي أمثال هؤلاء يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى..(وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمن يرى محارم الله تُنتَهكُ وحدودُه تُضَّيع،ودينه يترك،وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغَّبُ عنْها وهو باردُ القلب! ساكتُ اللسان!شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلِّم بالباطل شيطانٌ ناطق..وهل بليّةُ الدينِ إلا من هؤلاء الذين إذا سلِمَتْ لهم مآكلُهم ورياسُتهم فلا مبالاةَ بما جرى على الدين.. ونحن بحمد الله نعيش في بلدٍ يُقدَّرُ فيه الناصحون والمخلصون الذين يتكلمون بعقلٍ وحكمة.يقول الإمام أحمد بن حنبل..(الحمدُ لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم،والتقى،يدعون من ضل إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى،ويحيون بكتاب الله الموتى،وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجهالة والعمى،فكم من قتيل لإبليس أحيوه،وكم من ضال هدوه،فما أحسن أثرهم على الناس ينفون عن دين الله تحريف الغالين،وانتحال المبطلين وأعمال المفسدين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا أعنّة الفتنة) أ.هـ.إنهم إخوتي حماية للمجتمع من الهلاك، وليس يخفى دورهم إلا على من انطفئت بصيرته فانقلبت عنده الموازين فشوّه صورتهم ومن يحتسب فهو مُطالبٌ أيضاً بدراسة أساليبه وإجادة عمله والحكمة في طرحه والرحمة بمن وقع بالخطأ والستر عليه لا بالفرحة والانتقام والتشفي فإن تلك التصرفات تضرّ بالاحتساب وأيضاً لا بد من الصبر على الأذى يقول عمير بن حبيب رضي الله عنه..(إذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطّن نفسه على الصبر والأذى وليوقن بالثواب من الله، فإنه من يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى) والمؤسف من يصف الاحتساب تدخلاً وفضولاً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..المؤمن إذا رأى أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر لم يصبر حتى يأمر وينهى، يعني..قالوا هذا فضول.قال..والمنافق كل شيء يراه قال بيده على أنفه، فيُقال..نَعَم،الرجلُ ليس بينه وبين الفضول عمل)
وإن من المشاكل التي نراها الآن منتشرة بين الناس عدم المشاركة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في مخالفة الأنظمة والتعليمات وهم يرونها في شوارعهم وأسواقهم وأحيائهم ومدنهم في سلبية خطيرة تستدعي التنبيه حتى لبعض المنسوبين للعلم تراهم مقصرين وهم من يُسمع لكلامهم و لكن هذا يتطلب أن يشاركهم كل أحد بالحكمة و الموعظة الحسنة في الاحتساب فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ ليست خاصة بجهاز حكومي بل يشترك بها الجميع! قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..لا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ،لا يَقُومُ بِهِ،فَيَلْقَى اللَّهَ،فَيَقُولَ.."مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟"قَالَ..قَالَ..يَا رَبِّ،إِنِّي خَشِيتُ النَّاسَ،قَالَ..قَالَ.."إِيَّايَ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَى))أخرجه الترمذي اللهم إنا نسألك أن تنصر المعروف وأهله،وتجعلنا متعاونين عليه وأن تجنبنا المنكر وتجعلنا متناهين عنه وأصلح لنا شأننا كله واكفنا شر الفساد والمفسدين..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
أيها الأحبة في الله..وإن من أعظم التعاون على البر والتقوى التعاون على تحقيق هذه الشعيرة والتي لا تختصر بجهة او مكتب فالأمر بالمعروف والنهي المنكر دينٌ لا يستطيع أحدٌ تعطيله..ومن الخير دعم أهل الحسبة والاحتساب من الجهات الرسمية و التطوعية.. والدعاء لهم ومنا صحتهم عند الخطأ ودعمهم بالمال.. والذبّ عن أعراضهم.. وتبليغهم بما يحصل لإفساد البلد ممن يريد ديننا وأمننا وبلادنا وأخلاقنا بشر..وهذه البلاد بقادتها وعلمائها منذ أن قامت وهي ترعى جهاز الهيئة وتدعمه وتطوره بالتوظيف والمباني وغيرها لأنها تراه دينا وشريعة وسبباً للخير والتوفيق لهذا البلد وهو ميزةٌ لبلادنا على غيرها بإقامة الدين والخلق والآداب فواجب تطوير أساليبهم والدفاع عنهم واحترامهم ولاخوف عليهم بإذن الله.والمجتمع بخير بإذن الله ولقد سرّنا بحمد الله إقامة مكتب الجاليات لملتقى دوحة الخير وهذا الإقبال المتميز ببرامجه المتنوعة التي تستهدف توعية شبابنا من بنين وبنات وتوعيتهم للخير وتحصينهم من الشر والفكر الضال بإذن الله فجزى الله القائمين والمنظمين خيرا ونفع بالجهود وحمى البلاد والعباد من كل شرٍ وفتنة
اللهم انصر من نصر دينك و كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم و أيد بالحق من أراد وجهك ورضوانك..اللهم واخذل من خذل دينك و عادى أولياءك الداعين إلى الخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر..اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ووفق ولاة أمورنا للحكم بشريعتك و إقامة المعروف ونبذ المنكرات وأهلها إنك على كل شيءٍ قدير
إذا كثُر الخبث،فلا يُنكرُ المنكرُ،ولا يُؤمر بالمعروف،وتُشهرُ المنكراتُ في المجتمع.. عند ذلك تستوجب الأمةُ العقوبة والهلاك، فلا تدري أيصِّبحُها العذاب أم يُمسيها.. نسأل الله السلامة والعافية وألا يؤاخذنا بذنوبنا وبما فعله السفهاء منا..
إن قوماً جاءتهم اللعنة على لسان نبيين من أنبياء الله تعالى،لما أنكروا المنكر ثم ما لبثوا أن ألفوه قال صلى الله عليه وسلم..((إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول..يا هذا اتق الله ودع ما تصنع،فإنه لا يحل لك،ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده،فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض))،ثم قرأ عليه السلام (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(79)تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ))،ثم قال..((كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر،ولتأخذن على يد الظالم،ولتأطرنه على الحق أطراً،أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض،ثم ليلعنكم كما لعنهم)).وإجابةُ الدعاءِ،لا تتحقَّقُ إذا عُطّلت شعيرةُ الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر،قال صلى الله عليه وسلم..((لتأمرون بالمعروف،ولتنهون عن المنكر،أو ليُوشَكَنَّ اللهُ أن يبعثَ عليكم عِقاباً منه،ثم تدعونه فلا يُستجابُ لكم)).فأي حرمان يعيشه المجتمع حين تُحجب عنه أبواب الإجابة ويُصاب بنقص البركة والغلاء والوباء فلا يرفعه الله و لا حول و لا قوة إلا بالله ..
أيها الأحبة في الله..الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ضمان للمجتمع من تلك العقوبات الإلهية، وصمامُ أمانٍ من انحدار المجتمع في مهاوي الردى((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها،كمثل قوم استهموا على سفينة،فأصاب بعضهم أعلاها،وبعضهم أسفلها،فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم،فقالوا..لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا،فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً،وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) رواه البخاري.. ويقول عليه الصلاة والسلام..((ما من قومٍ يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يُغيّروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب))رواه أبو داوود وغيره وقال صلى الله عليه وسلم..((إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه،فإذا فعلوا ذلك عذّب الله الخاصة و العامة))رواه أحمد.. والنجاةُ بفضل الله تعالى ثم بتحقيق تلك الشعيرة(( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ))وقال..(( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ*وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ))ولم يقل صالحون
أيها الأحبة في الله..إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،من أوجب واجبات الشرع،بل عدّه بعض العلماء من أركان الإسلام،وهو فرض على الأمة بمجموعها(( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ))هو ليس مختصاً بجهةٍ حكومية إلا فقط لتنظيمه وحمايته من الفوضى وإلا فالتعاون عليه مصلحة للجميع في إيقاف الفساد والفجور والإرهاب قال صلى الله عليه وسلم..مخاطباً الجميع((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه،وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم،فواجبُ كلّ مواطن ومقيم أنه هو رجل أمن ورجل هيئة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويتعاونون عليه لأنه بتحقيق تلك الشعيرة تتحقق الخيرية الموعودة بالقرآن(( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه))وفشوَّها في المجتمعِ دليلُ إيمانه ومعدَنِه النقي ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))
وإن ضعف هذه الشعيرة في مجتمعٍ،ينتجُ عنها لا محالةَ قوةٌ شديدةٌ في الدعوةِ إلى المنكر وإبرازهِ وإحداث الحصانة له،بل يصلُ الأمر إلى الإكراهِ عليه،وينتجُ عنه أيضاً حربٌ للمعروف وإيذاء لأهله واستنكار لمعنى الاحتساب وهجوم الفاسدين واستهزائهم بهذه الشعيرة وهذا طبعٌ حذرنا الله منه بأنه للمنافقين..((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ))، وهؤلاء يسعون جهدهم لتهوينِ تلكَ الشعيرةِ،بإلقاء الشبهات والآراءِ حولها، وينشرونها بدعوى حرية الرأي وتناولٍ لشرائع الدين وجهات الحسبة وكأنها كلأٌ مباح لهم وينبغي أن نفرق بين من ينتقد التصرفات ويطوّر العمل بعقلٍ وإصلاح وبين من يستهزئ ليهدم ويتعدّى على المحرمات وكأنهم يريدون لمجتمعنا الذي تأسس على قيم الأخلاق وتحيكم الشريعة أن يلحق بمن شرعن الفساد والخمور وسائر الشرور.. يقول أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه..يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية..(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)) أو ترى آخرين يوهنون من قدر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصدع بالحق بحجة أن ذلك موجب للفتنة والبلاء، وقد ينتقدنا غيرنا به والسؤال أعطونا دعوة إصلاحيّة صادقة قامت من غير ابتلاء،ومصاعب يلاقيها أصحابها،هل سلم من ذلك الأنبياء حتى يسلم منه غيرهم؟!ثم انظر البارزين من العلماء الصالحين المصلحين عبر التاريخ لأن دورهم في المجتمع كان إصلاحياً بحكمة واضحة بينما ذهب بعضهم في ركام التاريخ رغم فضلهم.. وكما نطالب بالقول بعقلٍ وحكمةٍ وتوازن فإن المجاملة فيه مذمومة..قال صلى الله عليه وسلم في خطبته..((ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحقٍّ إذا علمه )) ((فإنه لا يُقرِّبُ من أجلٍ و لا يباعد من رزقٍ أن يُقال بحقٍ أو يُذكرَ بعظيم))وفي أمثال هؤلاء يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى..(وأيُّ دينٍ وأيُّ خيرٍ فيمن يرى محارم الله تُنتَهكُ وحدودُه تُضَّيع،ودينه يترك،وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغَّبُ عنْها وهو باردُ القلب! ساكتُ اللسان!شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلِّم بالباطل شيطانٌ ناطق..وهل بليّةُ الدينِ إلا من هؤلاء الذين إذا سلِمَتْ لهم مآكلُهم ورياسُتهم فلا مبالاةَ بما جرى على الدين.. ونحن بحمد الله نعيش في بلدٍ يُقدَّرُ فيه الناصحون والمخلصون الذين يتكلمون بعقلٍ وحكمة.يقول الإمام أحمد بن حنبل..(الحمدُ لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم،والتقى،يدعون من ضل إلى الهدى، وينهون عن الفساد والردى،ويحيون بكتاب الله الموتى،وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجهالة والعمى،فكم من قتيل لإبليس أحيوه،وكم من ضال هدوه،فما أحسن أثرهم على الناس ينفون عن دين الله تحريف الغالين،وانتحال المبطلين وأعمال المفسدين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا أعنّة الفتنة) أ.هـ.إنهم إخوتي حماية للمجتمع من الهلاك، وليس يخفى دورهم إلا على من انطفئت بصيرته فانقلبت عنده الموازين فشوّه صورتهم ومن يحتسب فهو مُطالبٌ أيضاً بدراسة أساليبه وإجادة عمله والحكمة في طرحه والرحمة بمن وقع بالخطأ والستر عليه لا بالفرحة والانتقام والتشفي فإن تلك التصرفات تضرّ بالاحتساب وأيضاً لا بد من الصبر على الأذى يقول عمير بن حبيب رضي الله عنه..(إذا أراد أحدكم أن يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر فليوطّن نفسه على الصبر والأذى وليوقن بالثواب من الله، فإنه من يثق بالثواب من الله لا يجد مس الأذى) والمؤسف من يصف الاحتساب تدخلاً وفضولاً ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول..المؤمن إذا رأى أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر لم يصبر حتى يأمر وينهى، يعني..قالوا هذا فضول.قال..والمنافق كل شيء يراه قال بيده على أنفه، فيُقال..نَعَم،الرجلُ ليس بينه وبين الفضول عمل)
وإن من المشاكل التي نراها الآن منتشرة بين الناس عدم المشاركة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في مخالفة الأنظمة والتعليمات وهم يرونها في شوارعهم وأسواقهم وأحيائهم ومدنهم في سلبية خطيرة تستدعي التنبيه حتى لبعض المنسوبين للعلم تراهم مقصرين وهم من يُسمع لكلامهم و لكن هذا يتطلب أن يشاركهم كل أحد بالحكمة و الموعظة الحسنة في الاحتساب فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ ليست خاصة بجهاز حكومي بل يشترك بها الجميع! قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..لا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ أَنْ يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ،لا يَقُومُ بِهِ،فَيَلْقَى اللَّهَ،فَيَقُولَ.."مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا؟"قَالَ..قَالَ..يَا رَبِّ،إِنِّي خَشِيتُ النَّاسَ،قَالَ..قَالَ.."إِيَّايَ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَى))أخرجه الترمذي اللهم إنا نسألك أن تنصر المعروف وأهله،وتجعلنا متعاونين عليه وأن تجنبنا المنكر وتجعلنا متناهين عنه وأصلح لنا شأننا كله واكفنا شر الفساد والمفسدين..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وبعد..
أيها الأحبة في الله..وإن من أعظم التعاون على البر والتقوى التعاون على تحقيق هذه الشعيرة والتي لا تختصر بجهة او مكتب فالأمر بالمعروف والنهي المنكر دينٌ لا يستطيع أحدٌ تعطيله..ومن الخير دعم أهل الحسبة والاحتساب من الجهات الرسمية و التطوعية.. والدعاء لهم ومنا صحتهم عند الخطأ ودعمهم بالمال.. والذبّ عن أعراضهم.. وتبليغهم بما يحصل لإفساد البلد ممن يريد ديننا وأمننا وبلادنا وأخلاقنا بشر..وهذه البلاد بقادتها وعلمائها منذ أن قامت وهي ترعى جهاز الهيئة وتدعمه وتطوره بالتوظيف والمباني وغيرها لأنها تراه دينا وشريعة وسبباً للخير والتوفيق لهذا البلد وهو ميزةٌ لبلادنا على غيرها بإقامة الدين والخلق والآداب فواجب تطوير أساليبهم والدفاع عنهم واحترامهم ولاخوف عليهم بإذن الله.والمجتمع بخير بإذن الله ولقد سرّنا بحمد الله إقامة مكتب الجاليات لملتقى دوحة الخير وهذا الإقبال المتميز ببرامجه المتنوعة التي تستهدف توعية شبابنا من بنين وبنات وتوعيتهم للخير وتحصينهم من الشر والفكر الضال بإذن الله فجزى الله القائمين والمنظمين خيرا ونفع بالجهود وحمى البلاد والعباد من كل شرٍ وفتنة
اللهم انصر من نصر دينك و كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه و سلم و أيد بالحق من أراد وجهك ورضوانك..اللهم واخذل من خذل دينك و عادى أولياءك الداعين إلى الخير والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر..اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ووفق ولاة أمورنا للحكم بشريعتك و إقامة المعروف ونبذ المنكرات وأهلها إنك على كل شيءٍ قدير