الحمد لله أعزنا بالإسلام،وشرَّفنا بالانتساب إلى ملةِ خير الأنام،وختم بنبينا الكريم موكب الرسل والأنبياء العظام،صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الكرام ومن تبعهم بإحسان..أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
أيها المسلمون..خلق الله البشر مختلفين بالرزق والحرمان والغنى والفقر لحكمٍ عظيمة((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ))هناك حاجات عظيمة وفقرٌ يضيق به الناس فيقعون بالديون والقروض بلا وعي ثم تركبهم الهموم لكن هذا الهم العظيم للدين يبدو أنه ضعف هذه الأيام وأصبح نادراً مثله مثل الوفاء ولذلك رأينا إقبال الناس على الدِّيون والاستكثار منها لحاجةٍ أو لغير حاجة ورأينا الإعلانات والدعايات المغرية له والأوراق الملصقة عنه ليس في المجتمعات الفقيرة بل وفي المجتمعات الغنية أيضاً أصبحت تعيش على الدّين حتى أثقلت كواهل الناس والدول والشركات،وهناك من أشهر إفلاسه بسبب تعاظم الديون وقد يشتمل بعضها على كبيرةٍ أخرى بممارسة الربا عياذاً بالله..الذي أصبحت له آثارٌ مضرة ومدمرة على الفرد المجتمع واقتصادات الدول ..
أما إغراءات البنوك وشركات الديون والأقساط فحدّث ولا حرج يغرُّون بها الناس ليقحمومهم في الديون بسهولة ثم يستولون على رواتبهم حتى طالت معظم الناس وانظروا أيها الأحبة للإحصاءات المهولة في مجتمعنا فقد نشر أحد الباحثين (أن أزمة الديون في بلادنا تطال 80% من الناس..وأن القروض كانت عام 1427هـ نحو 178مليار ريال بعام واحد فقط ثم ارتفع مبلغ الدين ليصل بعدها بخمس سنوات فقط عام 1432هـ إلى 286مليار ريال بزيادة أكثر من مائة مليار خلال خمس سنوات أكثرها تمويلات مليار شخصية وزادها عدم وجود توعية للمدينين وعدم ضبط شركات التقسيط والبنوك وأنظمتها وحقوق المستدينين وعدم إشاعة ثقافة الادخار مع ضعف رواتب أصحابها وغلاء الأسعار وعدم اهتمامهم بتنظيم الميزانيات إضافةً للدعايات المضللة للقروض وفوائدها المنخفضة بزعمهم وكل هذا يُهدِّد بأزمة ديون قادمة)..المصيبة أن أكثر هذه الديون لترف زائد أو لتجارةٍ أو لاستثمارٍ أو لشراءِ كماليات..نعم قد يكون الدَّيْن لحاجة مؤقتة ماسة يحتاجها الإنسان فيستدين لأجلها من ألجأته الحاجة لزواج أو لحاجة ماسة أو لأمرٍ آخر وما أكثر ظروف الناس المحرجة فالدَّين جائز والإقراض للمحتاج مستحب وفيه أجر عظيم وتفريج كربة للمستدين ولذلك فقد شرّع الإسلام الدين ووضع له الضوابط ورسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة على قبضات من شعير لكن أن تُصبح الديون منهج حياة بهذه النسب العالية وبلا حاجةٍ واضحة فإنها تبين مشكلة كبرى تحتاج من الجميع للانتباه ولوقفة تحذير..لمن يماطل بأصحاب الدَّين بعدم سدادهم..
عباد الله..خذوا بأسباب الرزق، وسدَّدوا ولو بالقليل؛ قال صلى الله عليه وسلم"مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه،ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".أي: من أخذ الدَّين وفي نيته أن يسدد أعانه الله وفتح له أبواب الرزق،ومن أخذ وهو يريد أن يضيِّع أموال الناس وأن يتلفها أتلفه الله سددوا ولو بالقليل؛فإن الله يجعل القليل بالبركة كثيرًا،إياكم والإسراف والتباهي أو البخل أو كذلك الطمع حينما تأتي شركات المعلنة التي تريد استثمار الأموال لتعطينا تلك النسب الزائفة فيبادر الناس طمعاً للمساهمة بها بل قد يستدينون لأجلها ثم تنهار تلك الشركات فلا بد من ثقافةٍ للاستهلاك ولحسن الادخار في بيتك ومن خلال رابتك((وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً))
وأنتم يا معاشر الأغنياء والأثرياء:ارحموا الفقراء والضعفاء،وتفقدوا المحتاجين والبؤساء،رجل يريد الدَّين وهو محتاج فأعينوه وأعطوه،رجلٌ يريد القرض الحسن وهو ثقةٌ للسداد فأعينوه وأعطوه،وإياكم وسوء الظن بالناس،وإن ذهبت أموالكم بالدنيا فلن تذهب عند ذي العزة والجلال،في الحديث((من أقرض مرتين كان كصدقتها مرة))رواه ابن ماجه والبيهقي وحسنه الألباني وأدان أحد اليهود النبي صلى الله عليه وسلم يريد اختبار حلمه وقبل حلول الأجل أتاه وطلب منه الوفاء بغلظة مما أغضب بعض الصحابة فأرادوا النيل فما زاد عليه الصلاة والسلام(كنت أنا وهو أحوج إلى أن تأمروني بالسداد وتأمروه بالإنظار)ثم أوفى ديْنَه وكافأه فأسلم هذا اليهودي هكذا التعامل الصحيح مع الدَّيْن فيا معاشر الأغنياء..يسّروا ولا تعسّروا،ولاتضيّقوا عليهم بسرعة السداد لمن لا يستطيع وهو جاد بالسداد فالله يأمر بالإنظار: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ)والأجر بذلك عظيم...كذلك فإن عليكم أيها الأغنياء وأصحاب التقسيط وعلى البنوك مسؤوليةٌ عُظمى وعليهم رقابة وينبغي أن يُؤخذ على أيديهم في تلك الإغراءات التي يضعونها للناس ثم يورطون بها الشباب والنساء وغيرهم.
عباد الله:الدَّيْن،هَمٌّ بالليل،وذل بالنهار،فهو يزعج القلوب ويشتت الأفكار،له آثار عظمى..حين يشغل بال المدين ويجعله منعزلاً عن المجتمع هارباً ومضطراً للكذب ويسألَ الناس كما نشاهده في حال كثيرين نسأل الله لهم الإعانة والسداد روى الشَّيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصَّلاة ((اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم،فقال له قائلٌ:ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إنَّ الرَّجل إذا غَرِم،حدَّث فكذب،ووعد فأخلف))ثم اسأل عن آثار الديون على أسرته وقرابته كيف تُهمل حاجات الأسرة الرئيسية من زوجة وأولاد وكذلك القطيعة بين الأقارب..أما آثاره على المجتمع فحدّث ولا حرج من انتشارٍ لثقافة الإسراف والتباهي والتشبع بما لم يُعط كثيرٌ من الناس بسبب الديون ثم إلى عدم استيعاب أموال الزكاة للحاجات المهمة في المجتمع لتأكلها تلك الديون الغارمة التي عرفنا حجم مبالغها وأغلبها يمكن الاستغناء عنه والصبر لحين توفر المال،كذلك للديون آثارٌ على الدول فهي مهما حاولت رفع الدخول لمواطنيها فلن تستطيع مجارات إغراءات البنوك وشركات التقسيط التي تُدخل الناس في متاهاتِ الديون مع إشغالٍ كبير لجهاتِ الدولة من شرطةٍ وأمنٍ ومحاكم لقضايا الديون وما أكثرها إضافة للآثار النفسية للديون والتي تصل بصاحبها إلى حد الانتحار والعياذ بالله..كذلك هناك من يتساهل بعدمِ سدادِ القروض التي تدفعها الدولة لمساعدة مواطنيها كبنوك التسليف وصندوق التنمية العقاري وصندوق التنمية الصناعي وغيرها وهذا خطأ وجناية على غيرك من المستفيدين ولا تبرئ ذمتك..
عباد الله..المدين مهموم مغموم،ولو رآه الناس فرحًا مسرورًا،لا يرتاح ولايطمئن ببيته لذلك استعاذ صلى الله عليه وسلم من الدَّين وقهر الرجال..وحذر الإسلامُ من التهاون من المماطلة بسداده والتأخير في قضائه؛بل استثنى صلى الله عليه وسلم الدَّين من قاعدة المكفرات التي يكفر الله بها على الإنسان،حين قال:"يَغْفِرُ اللهُ للشهيد كلَّ شيء إلا الدَّين" رواه مسلم.وقام صلى الله عليه وسلم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضلُ الأعمال،فقام رجلٌ فقال:يا رسول الله،أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله، أتكفَّرُ عني خطاياي؟ فقال له رسول الله:"نعم، إن قُتلتَ في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبلٌ غيرُ مدبرٍ"،ثم قال رسول الله للصحابي: كيف قلت؟ فأعاد الصحابي السؤال: أرأيت إن قُتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟فقال رسول الله:"نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدَّيْن! فإن جبريلَ سارَّني به آنفا" رواه مسلم.وقال صلى الله عليه وسلم ((ذمة المؤمن مرهونة بدينه حتى يُقضى عنه))..ولذلك كان عليه الصلاة والسلام لا يصلي على جنازةِ مَن عليه دين،قال جابر رضي الله عنه توفي رجل منا،فغسلناه حنطناه وكفّناه،ثم أتينا رسول الله فقلنا له:أتصلي عليه؟ فمشى معهم خطوات ثم قال لهم: "أعليه دَيْنٌ؟" قلنا: ديناران؛فانصرف رسول الله ولم يصل عليه.فمع أن الميت صحابي وهو عليه الصلاة والسلام الرؤف الرحيم،ومن أجل أن دَينه بلغ دينارين فقط،فقال أبو قتادة:هما عليّ يا رسول الله،فقال صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة:"حقَّ الغريم، وبرئ منهما الميت"،قال: نعم، فصلى ثم سأل أبا قتادة بعد ذلك بيوم فقال له:"ما فعل الديناران؟"فقال:إنما مات أمس! فعاد إليه أبو قتادة من الغد,فقال:قد قضيتهما, فقال عليه الصلاة والسلام:"الآن برَّدت على جلدته"وعن أبي هريرة أنه كان يؤتى بالرجل المتوفى وعليه الدين،فيسأل رسول الله:"هل ترك لدينه قضاء؟"فإن قيل له إنه ترك مالا يوفي به صلى عليه،وإلا قال:"صَلُّوا على صاحبكم"..لاحظ هنا أن هؤلاء من أصحاب الديون المتوفين ملتزمون بالوفاء لدْينهم لا يماطلون بالدين فما بالكم بمن يماطل أو يجحد الحقوق؟ما بالكم بمن ينكرها؟عياذاً بالله..فكيف لو عُمل بها اليوم كيف لو أن إمام الجامع لم يُصلَّ على صاحب الدَّين اقتداءً برسول الله فهل سيستمر ذلك التساهل الذي نراه بين أصحاب الديون؟!ولذلك يجب على المسلم إذا استدان أن تكون له عزيمة صادقة على الوفاء،ونية طيبة في القضاء،فلا يبيِّت نية سيئة،ولا يخفي مقصداً خبيثاً،فإن الله سيعينه على القضاء حتى ولو مات عنها لأنه وعده بالسداد كما في الحديث الذي قبل قليل.وأما من بيّت نيت سيئةً أو مقصداً خبيثاً بعدم الوفاء بحقوق العباد!فإنه يعرَّض نفسه وتجارته وأهله للتلف ونقص البركة فضلاً عن عذاب الآخرة قال صلّى الله عليه وسلّم: ((أيُّما رجلٌ يدين دينًا وهو مجمع أن لا يوفيه إيَّاه لقي الله سارقًا)) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني وعن محمد بن جحش رضي الله عنه قال:كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،فرفع رأسه إلى السماء،ثم وضع راحته على جبهته،ثم قال:"سبحان الله!ماذا نزل من التشديد؟"،فسكت الصحابة،وفزعوا،فلما كان من الغد، سألته:"يا رسول الله!ما هذا التشديد الذي نزل؟فقال:"والذي نفسي بيده!لو أن رجلا قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ ثمَّ أُحْيِيَ،ثمَّ قُتِلَ ثمَّ أُحْيِيَ،ثم قتل،وعليه دَين، ما دخل الجنة حتى يُقضَى عنه دينه"رواه النسائي وحسنه الألباني.وروى أبو داود في سُننه بسندٍ حسنٍ أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- خطب مرةً فقال: "هاهنا أحدٌ من بني فلان" فلم يجبه أحد كررها ثلاثاً فقام رجل فقال:أنا يا رسول الله،فقال له:ما منعك أن تجيبني إنِّي لم أنوّه بكم إلا خيرًا إن صاحبكم مأسور بديْنه))وفي رواية الحاكم((إنَّ صاحبكم حُبس على باب الجنَّة بديْنٍ كان عليه))
ومن إعانة الله لصاحب الدين أو المقترض بنية طيبة ما ورد عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل:ذهب إلى رجل،وقال له:أقرضني ألف دينار أتَّجر بها. قال له الرجل:ائتني بكفيل.قال له والله لا أجد ولكن:كفى بالله كفيلاً قال:صدقت، ائتني بشاهد قال لا أجد ولكن:كفى بالله شهيداً قال:صدقت،خذ الألف دينار فأخذ الرجل الألف دينار وانطلق يتَّجر بها في البحر،فلما حان موعد الوفاء التمس الرجلُ المدين مركباً،وكان بين الدائن والمدين بحراً فلم يجد؛ إذ كانت الأمواج والرياح شديدة، وليس هناك سفن،والرجل صاحب الدين على الشاطئ الآخر ينتظر، كل يوم مجيئه فلما يئس المدين أخذ خشبةً ونَقَرها ووضع فيها الألف دينار مع كتابٍ إلى صاحبه: من فلان ابن فلان ثم أحكم إغلاقها ووضعها في البحر،وقال: اللهم إنك تعلم أنني تسلفتُ من فلان ألف دينار، وأنه قد حال بيني وبينه الموج، وقد جعلتُك كفيلاً ووكيلاً، فأوصل هذا الدَّين إلى صاحبه، وقذف بالخشبة في البحر،وهو في كل ذلك جاهداً يلتمس مركباً حتى يذهب إلى صاحبه وبينما كان الرجل صاحب الدين واقفاً على الشاطئ ينتظر أيَّ مركب، فلم يجد؛ لكنه وجد أمامه خشبةً تطفو فوق الماء، فقال:آخذها أستدفئ بها أنا وأولادي،فلما أخذها وذهب إلى بيته نقرها بقدوم فسقطت منها الصرة، ففتحَها فإذا بالألف دينار والرسالة: من فلان إلى فلان،إنه قد حال بيني وبينك الموج،وقد جعلت الله وكيلاً وكفيلاً،وهذه نقودك وكان الرجل المدين يلتمس في كل ذلك مركباً حتى وجد مركباً فركبه وأخذ ألف دينار أخرى وذهب إلى صاحب الدَّين،وقال:والله لقد جهدتُ أن أجد مركباً قبل هذا فما استطعتُ، خذ الألف دينار،فقال الرجل الآخر:هل أرسلتَ إلي شيئاً؟فقال له: سبحان الله! أقول لك: هذا أول مركب وتقول لي:هل أرسلت شيئاً؟!فقال له صاحب الدَّين: لقد أدى الله عنك، فخذ مالك وارجع راشداً.. وروى أحمد في مسنده بسندٍ صحيحٍ أن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم قال: ((من حمل من أمَّتي دينًا ثمَّ جهد في قضائه ثمَّ مات قبل أن يقضيه؛ فأنا وليه))صحَّحه الألباني ولو أن أصحاب الديون عباد الله تعاملوا بهذا الحق والوفاء لما رأينا المشكلات تملأ الشرط والمحاكم لأجل الديون،ولرأينا الناس يقرضون أموالهم بدل تكدّسها بالبنوك لكنهم امتنعوا عن الإقراض لعدم الوفاء!
عباد الله:لقد حث الله تعالى على كتابة الدين،(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ))مهما كان قليلاً: (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ)وإذا كانت على أحدنا ديونٌ أو حقوق ليس عليها وثائق ومستندات تثبتها لأهلها فيجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس؛قال-صلى الله عليه وسلم-:"ما حق امرئ مسلم له شيءٌ يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"رواه مسلم
معاشر المدينين..والمقترضين..أنزلوا حوائجكم كلها بالله،واجعلوا كل فقركم إليه تعالى،وغناكم به،وتوكلوا على مَن بيده خزائن السماوات والأرض،وأحسنوا الظن بالله.وإن ضاقت عليكم الدنيا فوسعوها باليقين بالله فكم من همومٍ وغمومٍ أحاطت بأصحابها فرّجها الله عنهم من حيث لا يحتسبون!فلا تتساهل أخي بالديون ولا تشغل ذمتك بالاستكثار من الديون فلا تدري متى يأتيك الأجل بغته وقد علمت حق الدين((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً))اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك واجعلنا أغنياء بك فقراء إليك يا أرحم الراحمين..أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية ..الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعدا فاتقوا الله عباد الله.. عنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ:إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتي فَأَعِني،يريد ديْناً فقَالَ له علي:أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ نبينا -صلى الله عليه وسلم-لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟قَالَ:"قُلْ:اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ،وَأَغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ".
عباد الله:إن العَجَب أن بعض المدينين قد استدان لغير حاجة ماسة،وتحمَّلَ الديون العظيمة،والأقساط ورهن راتبه لإغراق بالكماليات،والبذخ في المناسبات والملابس بل والجوالات والأثاث وغير ذلك!فيستدينُ البعض ليشتري سيّارة فارهة،ويستدين آخر ليسافر للسياحة أو بعضهم لمزيد أثاثٍ ومفاخرة،أوقد تجد من يرهن بيته أو تجارته لأجل الدين ثم تذهب عليه حسرة كما رأيناه حصل قبل سنوات مع الأسهم حينما ضاعت على بعض الناس بيوتهم وأملاكهم،والبعض يغترُّ براتبه المستمر فيستدين ثم يضيُّق على نفسه وأهله معيشته وإن المسلم لو رضي بالقناعة ومستوى دخله لما احتاج إلى الدَّيْن لكنه ينظر لمن فوقه بالمادة والكماليات فيقلّده بإشغال ذمته..
أيها الإخوة في الله:ألا وإن من الحقوق الواجبة التي أكّد الإسلام على الحرص عليها،وعلى عدم تأخيرها عند استحقاقها،أجرة العمال الضعفاء كالسائقين والخدم وعموم الأجراء،والتي يتساهل الناس بتأخيرها حتى تتراكم عليهم رواتبهم وحقوقهم ثم لايوفونهم إياها عياذاً بالله قال صلى الله عليه وسلم"قال الله عز وجل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة" ومن كان الله خصمه فكفى به خصيماً،وذكر منهم:"رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره"رواه البخاري.وقال عليه الصلاة والسلام:"أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" حسنه الألباني.فأين من يأكل أموال هؤلاء الضعفة ممن جاء يطلب الرزق من بعيد أو يظلمهم بالمعاملة ثم يسفّره بلا حقوقه فإن اللهَ خصمُهُ فيا ويله من الله ويا سوء حسابه وعقوبته بالدنيا قبل الآخرة نسأل الله جل وعلا أن ينجينا من حقوق العباد وأن يكفينا بحلاله عن حرامه وأن يغنينا بفضله عمّن سواه..اللهم إنا نعوذ بك من المأثم والمغرم ومن الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن غلبة الدَّيْن وقهر الرجال اللهم اقض الدين عن المدينين..واشف مرضانا ومرضى المسلمين. وكن لإخواننا المستضعفين..الاستغاثة