الحمد لله رب العالمين وأشهد أن له إله إلا الله وحده لا شريك الحكيم العليم،وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله،خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين..أما بعد..فاتقوا الله عباد الله ..
إِخوة الإسلام..يحث الإسلامُ أفرادهُ على بناءٍ مجتمعٍ إسلاميٍّ قويٍّ مترابط،لبناته متماسكة،بناؤه محكم،علاقات أفراده متينة،كمثل الجسد الواحد،إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،ولكن لتفريطِ بعض أفراده في التمسك بما أمر الله به أدّى ذلك إلى تفشي داء التعقيد في العلاقات والصلات فيما بيننا كأقارب وجيران وأصدقاء حتى بتنا نسمع عن القطيعة والخصومة الزائدة التي قد تصل لسنواتٍ على أسبابٍ غالبها تافهة ولكنه الشيطان عِياذاً بالله الذي إنما يفلح بإيقاِدِ نار العداوات والتحريش بين الناس فَيفرِّقُ بين المرءِ وزوجهِ والأخِ وأخيهِ..
أَيُّهَا الأحبة..هَذه الأيامُ عيد ومن معاني العيد الفرحُ والسرور،ونشرُ ثقافةِ الصفحِ والمحبةِ والتسامح بين الناس..هذي طباع المسلمين وهو ما يدعو إليه الدين فيا من قطعَ رَحِمهَ منذُ سنوات،ويا قاطعاً لجاره،ومفارقاً لصاحبه..والله..ثم والله..إن هذه الدنيا لا تُساوي شيئاً ولو كانت تساوي عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى كافراً منها شربةَ ماء..فكيف نسمحُ لأسبابٍ دنيويةٍ أو مَاديةٍ أو إرثٍ أو كَلمةٍ قيلت أو تصرَّفٍ وقع،أن يكون سبباً للقطيعة والخصومة فيما بيننا؟!لماذا لانتصارح مع بعضنا ونحسن الظن فيما بيننا؟!فإنَّ الهم الذي يطال المقاطع لأهلهِ المفارقَ لأَحبابهِ أكثرُ بكثيرٍ من همِّه لو صبرَ على كلمةٍ سمعَها أو تصرفٍ وقع ثم صفحَ عنه ونساه فَبردُ التسامحِ أَفضلُ من حَرِّ القطيعةِ والهجرانِ لاسيما مع الأقاربِ والجيران..حتى ولو كانوا من غير المسلمين أم يقل الله عن الوالدين ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً))فنحن مأمورون بالصلة بالمعروف رغم الشرك.
إن صِلَة الرحمِ ـ عباد الله ـ سَببٌ في دخولِ الجنةِ،وصِلةُ اللهِ للعبدِ في الدنيا والآخرة((وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَِ))وقال رجلٌ يا رسول الله أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعدني عن النار فقال له((تعبدَ اللهَ لا تشركَ به شيئاً،وتقيمَ الصلاةَ وتُؤتي الزكاةَ،وتصل رحمك))فلما أَدبرَ قال عليه الصلاة والسلام((إن تمسَّك بما أمرتُه به دخلَ الجنة)) متفقٌ عليه..وروى البخاريُّ ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم((الرحمُ معلقةٌ بالعرش تقولُ من وصلَني وصلَه الله،ومن قطعني قَطَعَهُ الله)).
وصلةُ الرحم سببٌ لكثرةِ الرزقِ وطولِ العُمرِ وحصولِ البركةِ لصاحبه بعمل الصالحاتِ فيه قال صلى الله عليه وسلم((من سرَّه أن يُبسَطَ له في رزقه وأن يُنسأَ له في أثرهِ فليصلْ رَحِمَه)) متفقٌ عليه.
ومن بركةِ صلةِ الرحم وفضلها أن أجرَ الصدقةِ على المحتاجِ من ذي القرابة والرحم مضاعفةٌ عن غيرهم فهي للرحم المحتاج صَدقةٌ وصلة..قال صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصلْ رحمه)) متفق عليه..وإذا كان لصلةِ الرحمِ كُلَّ هذا الأجر في الدنيا وفي الآخرة،فلا ريب أن لقاطع الرحم عقوبةً،شديدة،وذلك لما يترتبُ على قطعِ الرحمِ من تقطيعٍٍ لأواصرِ المجتمعِ المسلم وتفكيكٍ لعُراه
وهذه العقوبةُ منها ما هو مُعجَّلٌ في الدنيا لقولهِ صلى الله عليه وسلم((ما من ذنبٍ أَجدرُ أَن يُعَجِّلَ اللهُ لصاحبهِ العقوبةَ في الدنيا مع ما يُدَّخَرُ له في الآخرة من البَغيِ وقطيعةِ الرحم)) رواه أبو داوود. تتمثلُ هذه العقوبة في عدم قبولِ الأعمالِ الصالحةِ،إذ تُرَدُّ على صاحبِها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول((إن أعمالَ بني آدم تُعرَضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجُمعة،فلا يُقبلُ عَملُ قاطعِ رحم)) حديث حسن رواه الإمامُ أحمد.
بل من قطع رحمه يُطرد من رحمة الله ويدخل في لعنته والعياذ بالله وكيف نحن وعملنا بلا رحمةِ الله تعالى وحفظه وبركته قال صلى الله عليه وسلم((إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فَرغَ منهم قامت الرحم،فقالت:هذا مقامُ العائذِ بكَ من القطيعةِ قال نعم. أما ترضين أن أَصلَ من وَصلَك وأَقطعَ من قَطعَكِ؟قالت بلى.قال فذلك لك)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اقرؤوا إن شئتم ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ))
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول((لا يدخلُ الجنةَ قاطع رحم)) متفقٌ عليه وروى الإمامُ أحمد بسندٍ صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال((إن من أربى الربا الاستطالةُ في عرضِ المسلم بغير حق،وإن هذه الرحم شَجنةٌ من الرحمن عزَّ وجل،فمن قطعَهَا حرَّمَ اللهُ عليه الجنة))كل هذه النصوص الشرعية ثم تجد من يقطع رحمه ويتخاصم لأتفه الأسباب،والقطيعة والخصومة يعظم ذنبها حسب الأقرب فالأقرب..ولأجل هذا -عبادَ الله- جاءتِ تعاليم الشريعةُ ذامّةً للقطيعة والخصومة،فاضَّةً للنزاع،مُحذِّرةً من التجاوزِ فيهما،لأنه صفة للمنافقين((إذَا خَاصَمَ فَجَر))بعض الناس لا يكتفي بأن يقطع رحمه بل يخاصمهم فجوراً في المحاكم وفي الشرط وفي الشكاوى بقصد الإيذاء..
فالفاجر في الخصومةِ -عبادَ الله- يسبق لسانُه عقلَه،وطيشُه حلمَه وظلمُه عدلَه،لسانُه بذيءٌ وقلبُه دنيء، يتلذَّذُ بالتهَمِ والتطاولِ والخروجِ عن المقصود.
الفاجرُ في الخصومة يزيدُ على الحقِّ مائةَ كذبة،وتَرونه كالذّباب لا يقَعُ إلا على المساوِئ،ينظرُ بعينِ عداوةٍ ولو أنَّها عينُ الرضا لاستحسنَ القبَيح،لا يَعُدُ محاسنَ الناسِ إلا ذنوباً،ترونَه أكّالا للأعراضِ،همَّازًا مشاءً بنميم،مُعتديًا أثيما،لا يقعُ إلا على الفساد والخطأ..
الفاجرُ في الخصومة -عبادَ الله-لا أمانَ له ولا سِتر لديه،فيه طبعُ اللئام،فإن اختَلفتَ معه في شيءٍ حقير كشَف أسرارَك وهتَك أستارَك وأَظهَر الماضي والحاضر،فكم من صديقٍ كشفَ سِترَ صاحبهِ بسبَب خلافٍ بينهما؟!وكم من زَوجةٍ لم تُبقِ سرًّا لزوجِها ولم تذَر بسبَب خُلفٍ على نقصانِ نفقةٍ أو كِسوةٍ أو كلمةٍ قيلت ونحو ذلك؟!أو تجد من يتهم الأقارب دائماً بالسلبية حتى يشتهر مثل خاطئ على ألسنة الناس بأن الأقارب عقارب عياذاً بالله..
ليس العيبُ-أيها الإخوة-في مجرّدِ الخصومة؛والاختلاف إذ هي واقعٌ لا مناصَ منه في النفوس والعقول والأموالِ والأعراضِ والدين والآراء،إذ مَن ذا الذي سيرضَى عنه الناسُ كلُّهم؟!والعجبُ -عبادَ الله- أن بعضَ الناس يخاف من أكل الحرام والزّنا والسرِقة وقد تجده من الحريصين على بعض العبادات والسنن لكنه يصعُب عليه التحفظُ من لسانه.من النميمة والإفساد لسانُه يفري في الأعراضِ ولا يُبالي ما يقول،فيبغي على خصمهِ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله"وأنتَ إذا تأمَّلت ما يقَعُ من الاختلافِ بين هذه الأمّة علمائِها وعُبادِها وأمرائها ورؤسائها وجدتَ أكثرَه من البغيِّ بتأويلٍ أو بغيرِ تأويل،فلا يجوز أن يبغى على مسلم ولا أن يفقد من حريته لأجل أنه قال كلمة أو تكلم بحق هنا وهناك أو حتى أخطأ فإنه ينبغي له التوجيه وإحسان الظن لطالبِ العلمِ أو الصحفيُّ أو الإعلاميُّ أو السياسيِّ بل إن الخصومةَ تبيحُ له التطاولَ ليتهم النيات ويفضح المستور ويُغلِّبَ الظنَّ السيئَ ويهملُ الظنَّ بالحسنى..واعلمُوا أنّ أبغضَ الرجال إِلى الله الألدُّ الخصِم كما قاله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. والألدُّ هو:الأعوجُ في الخصومة بكذِبه وزوره وميلهِ عن الحق.
ومن أكثر من الخصومة وقعَ في الكذِب؛فلا إله إلا الله!ما أعظمَ العدلَ والإنصافَ في الخصومة والاختلاف!وما أدنأ الظّلم والفجور والتجنّي فيهما!
وإنَّ خِيَارَ النَّاسِ مَنْ كانَ مُنْصِفًا
صَدُوقًا لبِيْبًا صَانَهُ الدِّيْنُ فَانْزَجَرْ
وَإِنْ شِرَارَ النَّاسِ مَنْ كَـــانَ مَائِلًا
عَن الحـقِّ إنَّ خَــاصَمْتهُ مرَّةً فَجَرْ
بعض الناس يكتفي بصلة رسمية مع أقاربه لايتعدى السلام دفعاً للمشكلات وهذا غير صحيح فالواجب السؤال عن الحال والوقوف عند المصاب فاتقوا الله عباد الله..واحذروا قطيعة الرحم،وقوموا بصلتها وانتبهُوا من القطيعة مع الجيران والأصدقاء،والتجاوز في الخصومة،ولو مع الأعداء،وتسامحوا مع الناس استغلالاً لهذه الأيام المباركة أيامِ العيد،تسامحوا مع الناس اِبتغاءَ مرضاةِ الله تعالى ورجاءَ الأجر والثواب منه فمن كان بينه وبين قريبه قطيعة فليذهب إليه وليستسمح منه حتى لو كان قريبه المخطئ ومن كان بينه وبين جيرانه مشكلة فليحلها ومن كان بينه وبين صديقه أمراً فليبادر إلى حله،وإذا سمعنا ما يُسيء فلنتصارح فيما بيننا،لا نكتم في صدورنا أو نتقاطع،ولا تُقابلْ من قَطَعك بالقطيعةِ واصبْر واحتسب فإن هؤلاء الأقارب والجيران والأصدقاء منك كل خير وكما قيل أولاً:
وإن الـذي بينـي وبين بني أبـي
وبيـــــن بني عمـي لمختلفٌ جداً
إذا أكلُوا لحمي وفـرتُ لحومَهـمْ
وإن هَدَمُوا مَجدِي بنيتُ لهم مَجـداً
وإن ضيَّعوا غَيْبي حفظتُ غيوبَهم
وإن همُ هووا غيِّي هويتُ لهم رُشداً
ولا أحملُ الحقـدَ القديـمَ عليهـمُ
وليـــس رئيسُ القوم من يحملُ الحِقْدا
هذا هو الظن الحسن بالأقارب والجيران والأصدقاء الذي يضمن استمرار الصِلة..جعلنا الله وإياكم ممن يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية
الحمدُ لله أمر بصلة الأرحام والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ أتقَى الأنام،صلى الله عليه وعلى آله الصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد:
وبعدَ أن سمعْنا فضلَ صلةِ الرحمِ وذَمِّ القطيعة والسوءِ في الخصومة وعقوبة قاطِعِهَا قد يقول قائل: رحمي لا تستحقُّ الصلة لأنهمْ يبادلونَنَي عن الحسنةِ بالسيئة،وعن الصلةِ بالقطيعةِ فما هو موقفي منهم؟وجوابُ ذلكَ ما أُثر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه البخاري((ليسَ الواصلُ بالمكافئِ،ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصلَها))..فالمسلمُ عندما يصلُ أرحامَه ويتواصلُ مع جيرانِه وأصدقائِه ويتنازل عن بعض حقوقه لأجلهم وطمعاً في استمرار الصلة فإنه يقومُ بأمرٍ شرعه الله تعالى عليه،طلباً للأجر دونَ انتظار مُكافئٍ من القولِ أو الفعلِ صادرٍ منهم وأعظمُ منها الصلةُ التي تستمرُّ على الرغم من إساءتِهم له ومقابلةِ إساءتِهم بالإِحسانِ.ولا شكَّ ـ عباد الله ـ أن ذلك شديدٌ على بعض النفوس،ولا يقدرُ عليه إلاّ مَنْ وفَّقَه الله..هذا الواصلُ يستحقُّ من اللهِ تعالى كلَّ عونٍ ونصرٍ وتأييد.
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رَجلاً قاليا رسول الله إن لي قرابةً أصلُهم ويقطعونني،وأُحسنُ إِليهم ويُسيئونَ إلي وأحلمُ عليهم ويجهلونَ علي؟!فقال صلى الله عليه وسلم((إن كنتَ كما قلت فكأنَّما تُسُفُّهم الملَّ ولا يزالُ معك من اللهِ ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك))رواه مسلم.ومعنى((تُسفهم المل)) أي كَأَنَّمَا تُطعمُهُم ((الرماد الحار))،وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم.ولا شيء على هذا المحسن،بل ينالهم الإثم الفظيع في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه.
وقد يسألُ سائل لاسيما إخواننا المقيمين فيقولُ كيف نستطيعُ أن نصلَ أرحامنا وهم بأماكن بعيدة متفرقة؟وعليه فإن المسلم يبداً بالأقرب بحسب الحال لاسيما مع سهولة الاتصال،فمنهم من يمكن زيارته لقربه منه،والبعيد بالاتصال والسفر إليه ومن يتحرّ الخير يعطه((فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ)) وم نبذل جهده في صلةِ رحمه وفقه الله تعالى لذلك ويسر أمره وأعانه..ولنحذر من التكلف في الزيارات والتواصل بالإسراف بالأطعمة والهدايا التي تجعل من الصعب والإحراج سهولة التواصل حين عقّدنا الصلة والتزاور فيما بيننا كأقارب وجيران.
وحين كانت الأمور شحيحة في الماضي كانت قلوب الناس أفضل والتزاور أكثر وينبغي أن ننشر القدوةَ بعدم التكلّف والإسراف في العلاقات..
كذلك انعدم الآن أو كاد أن ينبري من أهل الخير والصلاح من يقوم بإصلاح ذات البين بين المتقاطعين والأقارب وهم لا يعلمون الأجر العظيم الذي يحصلونه بسبب الإصلاح وذم القطيعة ((لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ))فواجبٌ على من علم عن خصومة أو قطيعة لاسيما من يُسمع لقوله ورأيه أن يبادر في محاولةِ الإصلاح بينهم فإنه سيحصل الأجر ولو لم يتم الصلح
أما المصيبةُ الكبرى والماحقة فهم أولئك الذين يسعون لزيادةِ الفسادِ والقطيعةِ بين الأقاربِ والأصدقاءِ وذلك بالنميمةِ والإفسادِ ونشر الأخبارِ((هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ))فيا ويله من عذاب الله في القبر وفي النار-عياذاً بالله-..فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم، وصلوا أرحامكم، واحذروا قطعها وتسامحوا مع الناس من أقارب وإخوان،وتذكروا دائماً ما أعد ه الله تعالى للواصلين من الثواب وللقاطعين من العقاب..وواصلوا عباد الله- عمل الخيرات بعد رمضان فلئن انتهى رمضان فإن الصيام باقٍ،والقيام مستمر،حافظوا على قراءة القرآن والصدقة واستفيدوا من أخلاق رمضان في باقي العام..نسأل الله القبول والغفران والعتق من النيران،اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المسلمين المستضعفين في سوريا على عدوك وعدوهم من النصيرية الحاقدين..اللهم انصرهم يوم قل الناصر..وأعنهم يوم فقد المعين..اللهم إنهم ضعفاء فقوهم..وجياع فأطعمهم..وعراةٌ فاكسهم ..اللهم تقبل شهيدهم..اشف مريضهم..وهيئ المسلمين دولاً شعوباً لنصرتهم إنك على كل شيءٍ قدير..اللهم جنبنا الفتن ما ظهر عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين..اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعتك وللقيام بطاعتك،ورزقهم البطانة الصالحة الناصحة وجنبهم بطانة السوء..
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ...
إِخوة الإسلام..يحث الإسلامُ أفرادهُ على بناءٍ مجتمعٍ إسلاميٍّ قويٍّ مترابط،لبناته متماسكة،بناؤه محكم،علاقات أفراده متينة،كمثل الجسد الواحد،إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،ولكن لتفريطِ بعض أفراده في التمسك بما أمر الله به أدّى ذلك إلى تفشي داء التعقيد في العلاقات والصلات فيما بيننا كأقارب وجيران وأصدقاء حتى بتنا نسمع عن القطيعة والخصومة الزائدة التي قد تصل لسنواتٍ على أسبابٍ غالبها تافهة ولكنه الشيطان عِياذاً بالله الذي إنما يفلح بإيقاِدِ نار العداوات والتحريش بين الناس فَيفرِّقُ بين المرءِ وزوجهِ والأخِ وأخيهِ..
أَيُّهَا الأحبة..هَذه الأيامُ عيد ومن معاني العيد الفرحُ والسرور،ونشرُ ثقافةِ الصفحِ والمحبةِ والتسامح بين الناس..هذي طباع المسلمين وهو ما يدعو إليه الدين فيا من قطعَ رَحِمهَ منذُ سنوات،ويا قاطعاً لجاره،ومفارقاً لصاحبه..والله..ثم والله..إن هذه الدنيا لا تُساوي شيئاً ولو كانت تساوي عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سَقَى كافراً منها شربةَ ماء..فكيف نسمحُ لأسبابٍ دنيويةٍ أو مَاديةٍ أو إرثٍ أو كَلمةٍ قيلت أو تصرَّفٍ وقع،أن يكون سبباً للقطيعة والخصومة فيما بيننا؟!لماذا لانتصارح مع بعضنا ونحسن الظن فيما بيننا؟!فإنَّ الهم الذي يطال المقاطع لأهلهِ المفارقَ لأَحبابهِ أكثرُ بكثيرٍ من همِّه لو صبرَ على كلمةٍ سمعَها أو تصرفٍ وقع ثم صفحَ عنه ونساه فَبردُ التسامحِ أَفضلُ من حَرِّ القطيعةِ والهجرانِ لاسيما مع الأقاربِ والجيران..حتى ولو كانوا من غير المسلمين أم يقل الله عن الوالدين ((وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً))فنحن مأمورون بالصلة بالمعروف رغم الشرك.
إن صِلَة الرحمِ ـ عباد الله ـ سَببٌ في دخولِ الجنةِ،وصِلةُ اللهِ للعبدِ في الدنيا والآخرة((وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَِ))وقال رجلٌ يا رسول الله أخبرني بما يدخلني الجنة ويباعدني عن النار فقال له((تعبدَ اللهَ لا تشركَ به شيئاً،وتقيمَ الصلاةَ وتُؤتي الزكاةَ،وتصل رحمك))فلما أَدبرَ قال عليه الصلاة والسلام((إن تمسَّك بما أمرتُه به دخلَ الجنة)) متفقٌ عليه..وروى البخاريُّ ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم((الرحمُ معلقةٌ بالعرش تقولُ من وصلَني وصلَه الله،ومن قطعني قَطَعَهُ الله)).
وصلةُ الرحم سببٌ لكثرةِ الرزقِ وطولِ العُمرِ وحصولِ البركةِ لصاحبه بعمل الصالحاتِ فيه قال صلى الله عليه وسلم((من سرَّه أن يُبسَطَ له في رزقه وأن يُنسأَ له في أثرهِ فليصلْ رَحِمَه)) متفقٌ عليه.
ومن بركةِ صلةِ الرحم وفضلها أن أجرَ الصدقةِ على المحتاجِ من ذي القرابة والرحم مضاعفةٌ عن غيرهم فهي للرحم المحتاج صَدقةٌ وصلة..قال صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصلْ رحمه)) متفق عليه..وإذا كان لصلةِ الرحمِ كُلَّ هذا الأجر في الدنيا وفي الآخرة،فلا ريب أن لقاطع الرحم عقوبةً،شديدة،وذلك لما يترتبُ على قطعِ الرحمِ من تقطيعٍٍ لأواصرِ المجتمعِ المسلم وتفكيكٍ لعُراه
وهذه العقوبةُ منها ما هو مُعجَّلٌ في الدنيا لقولهِ صلى الله عليه وسلم((ما من ذنبٍ أَجدرُ أَن يُعَجِّلَ اللهُ لصاحبهِ العقوبةَ في الدنيا مع ما يُدَّخَرُ له في الآخرة من البَغيِ وقطيعةِ الرحم)) رواه أبو داوود. تتمثلُ هذه العقوبة في عدم قبولِ الأعمالِ الصالحةِ،إذ تُرَدُّ على صاحبِها عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول((إن أعمالَ بني آدم تُعرَضُ كلَّ خميسٍ ليلةَ الجُمعة،فلا يُقبلُ عَملُ قاطعِ رحم)) حديث حسن رواه الإمامُ أحمد.
بل من قطع رحمه يُطرد من رحمة الله ويدخل في لعنته والعياذ بالله وكيف نحن وعملنا بلا رحمةِ الله تعالى وحفظه وبركته قال صلى الله عليه وسلم((إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فَرغَ منهم قامت الرحم،فقالت:هذا مقامُ العائذِ بكَ من القطيعةِ قال نعم. أما ترضين أن أَصلَ من وَصلَك وأَقطعَ من قَطعَكِ؟قالت بلى.قال فذلك لك)) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((اقرؤوا إن شئتم ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ))
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول((لا يدخلُ الجنةَ قاطع رحم)) متفقٌ عليه وروى الإمامُ أحمد بسندٍ صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال((إن من أربى الربا الاستطالةُ في عرضِ المسلم بغير حق،وإن هذه الرحم شَجنةٌ من الرحمن عزَّ وجل،فمن قطعَهَا حرَّمَ اللهُ عليه الجنة))كل هذه النصوص الشرعية ثم تجد من يقطع رحمه ويتخاصم لأتفه الأسباب،والقطيعة والخصومة يعظم ذنبها حسب الأقرب فالأقرب..ولأجل هذا -عبادَ الله- جاءتِ تعاليم الشريعةُ ذامّةً للقطيعة والخصومة،فاضَّةً للنزاع،مُحذِّرةً من التجاوزِ فيهما،لأنه صفة للمنافقين((إذَا خَاصَمَ فَجَر))بعض الناس لا يكتفي بأن يقطع رحمه بل يخاصمهم فجوراً في المحاكم وفي الشرط وفي الشكاوى بقصد الإيذاء..
فالفاجر في الخصومةِ -عبادَ الله- يسبق لسانُه عقلَه،وطيشُه حلمَه وظلمُه عدلَه،لسانُه بذيءٌ وقلبُه دنيء، يتلذَّذُ بالتهَمِ والتطاولِ والخروجِ عن المقصود.
الفاجرُ في الخصومة يزيدُ على الحقِّ مائةَ كذبة،وتَرونه كالذّباب لا يقَعُ إلا على المساوِئ،ينظرُ بعينِ عداوةٍ ولو أنَّها عينُ الرضا لاستحسنَ القبَيح،لا يَعُدُ محاسنَ الناسِ إلا ذنوباً،ترونَه أكّالا للأعراضِ،همَّازًا مشاءً بنميم،مُعتديًا أثيما،لا يقعُ إلا على الفساد والخطأ..
الفاجرُ في الخصومة -عبادَ الله-لا أمانَ له ولا سِتر لديه،فيه طبعُ اللئام،فإن اختَلفتَ معه في شيءٍ حقير كشَف أسرارَك وهتَك أستارَك وأَظهَر الماضي والحاضر،فكم من صديقٍ كشفَ سِترَ صاحبهِ بسبَب خلافٍ بينهما؟!وكم من زَوجةٍ لم تُبقِ سرًّا لزوجِها ولم تذَر بسبَب خُلفٍ على نقصانِ نفقةٍ أو كِسوةٍ أو كلمةٍ قيلت ونحو ذلك؟!أو تجد من يتهم الأقارب دائماً بالسلبية حتى يشتهر مثل خاطئ على ألسنة الناس بأن الأقارب عقارب عياذاً بالله..
ليس العيبُ-أيها الإخوة-في مجرّدِ الخصومة؛والاختلاف إذ هي واقعٌ لا مناصَ منه في النفوس والعقول والأموالِ والأعراضِ والدين والآراء،إذ مَن ذا الذي سيرضَى عنه الناسُ كلُّهم؟!والعجبُ -عبادَ الله- أن بعضَ الناس يخاف من أكل الحرام والزّنا والسرِقة وقد تجده من الحريصين على بعض العبادات والسنن لكنه يصعُب عليه التحفظُ من لسانه.من النميمة والإفساد لسانُه يفري في الأعراضِ ولا يُبالي ما يقول،فيبغي على خصمهِ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله"وأنتَ إذا تأمَّلت ما يقَعُ من الاختلافِ بين هذه الأمّة علمائِها وعُبادِها وأمرائها ورؤسائها وجدتَ أكثرَه من البغيِّ بتأويلٍ أو بغيرِ تأويل،فلا يجوز أن يبغى على مسلم ولا أن يفقد من حريته لأجل أنه قال كلمة أو تكلم بحق هنا وهناك أو حتى أخطأ فإنه ينبغي له التوجيه وإحسان الظن لطالبِ العلمِ أو الصحفيُّ أو الإعلاميُّ أو السياسيِّ بل إن الخصومةَ تبيحُ له التطاولَ ليتهم النيات ويفضح المستور ويُغلِّبَ الظنَّ السيئَ ويهملُ الظنَّ بالحسنى..واعلمُوا أنّ أبغضَ الرجال إِلى الله الألدُّ الخصِم كما قاله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين. والألدُّ هو:الأعوجُ في الخصومة بكذِبه وزوره وميلهِ عن الحق.
ومن أكثر من الخصومة وقعَ في الكذِب؛فلا إله إلا الله!ما أعظمَ العدلَ والإنصافَ في الخصومة والاختلاف!وما أدنأ الظّلم والفجور والتجنّي فيهما!
وإنَّ خِيَارَ النَّاسِ مَنْ كانَ مُنْصِفًا
صَدُوقًا لبِيْبًا صَانَهُ الدِّيْنُ فَانْزَجَرْ
وَإِنْ شِرَارَ النَّاسِ مَنْ كَـــانَ مَائِلًا
عَن الحـقِّ إنَّ خَــاصَمْتهُ مرَّةً فَجَرْ
بعض الناس يكتفي بصلة رسمية مع أقاربه لايتعدى السلام دفعاً للمشكلات وهذا غير صحيح فالواجب السؤال عن الحال والوقوف عند المصاب فاتقوا الله عباد الله..واحذروا قطيعة الرحم،وقوموا بصلتها وانتبهُوا من القطيعة مع الجيران والأصدقاء،والتجاوز في الخصومة،ولو مع الأعداء،وتسامحوا مع الناس استغلالاً لهذه الأيام المباركة أيامِ العيد،تسامحوا مع الناس اِبتغاءَ مرضاةِ الله تعالى ورجاءَ الأجر والثواب منه فمن كان بينه وبين قريبه قطيعة فليذهب إليه وليستسمح منه حتى لو كان قريبه المخطئ ومن كان بينه وبين جيرانه مشكلة فليحلها ومن كان بينه وبين صديقه أمراً فليبادر إلى حله،وإذا سمعنا ما يُسيء فلنتصارح فيما بيننا،لا نكتم في صدورنا أو نتقاطع،ولا تُقابلْ من قَطَعك بالقطيعةِ واصبْر واحتسب فإن هؤلاء الأقارب والجيران والأصدقاء منك كل خير وكما قيل أولاً:
وإن الـذي بينـي وبين بني أبـي
وبيـــــن بني عمـي لمختلفٌ جداً
إذا أكلُوا لحمي وفـرتُ لحومَهـمْ
وإن هَدَمُوا مَجدِي بنيتُ لهم مَجـداً
وإن ضيَّعوا غَيْبي حفظتُ غيوبَهم
وإن همُ هووا غيِّي هويتُ لهم رُشداً
ولا أحملُ الحقـدَ القديـمَ عليهـمُ
وليـــس رئيسُ القوم من يحملُ الحِقْدا
هذا هو الظن الحسن بالأقارب والجيران والأصدقاء الذي يضمن استمرار الصِلة..جعلنا الله وإياكم ممن يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب. أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية
الحمدُ لله أمر بصلة الأرحام والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ أتقَى الأنام،صلى الله عليه وعلى آله الصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد:
وبعدَ أن سمعْنا فضلَ صلةِ الرحمِ وذَمِّ القطيعة والسوءِ في الخصومة وعقوبة قاطِعِهَا قد يقول قائل: رحمي لا تستحقُّ الصلة لأنهمْ يبادلونَنَي عن الحسنةِ بالسيئة،وعن الصلةِ بالقطيعةِ فما هو موقفي منهم؟وجوابُ ذلكَ ما أُثر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما رواه البخاري((ليسَ الواصلُ بالمكافئِ،ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصلَها))..فالمسلمُ عندما يصلُ أرحامَه ويتواصلُ مع جيرانِه وأصدقائِه ويتنازل عن بعض حقوقه لأجلهم وطمعاً في استمرار الصلة فإنه يقومُ بأمرٍ شرعه الله تعالى عليه،طلباً للأجر دونَ انتظار مُكافئٍ من القولِ أو الفعلِ صادرٍ منهم وأعظمُ منها الصلةُ التي تستمرُّ على الرغم من إساءتِهم له ومقابلةِ إساءتِهم بالإِحسانِ.ولا شكَّ ـ عباد الله ـ أن ذلك شديدٌ على بعض النفوس،ولا يقدرُ عليه إلاّ مَنْ وفَّقَه الله..هذا الواصلُ يستحقُّ من اللهِ تعالى كلَّ عونٍ ونصرٍ وتأييد.
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ رَجلاً قاليا رسول الله إن لي قرابةً أصلُهم ويقطعونني،وأُحسنُ إِليهم ويُسيئونَ إلي وأحلمُ عليهم ويجهلونَ علي؟!فقال صلى الله عليه وسلم((إن كنتَ كما قلت فكأنَّما تُسُفُّهم الملَّ ولا يزالُ معك من اللهِ ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك))رواه مسلم.ومعنى((تُسفهم المل)) أي كَأَنَّمَا تُطعمُهُم ((الرماد الحار))،وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم.ولا شيء على هذا المحسن،بل ينالهم الإثم الفظيع في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه.
وقد يسألُ سائل لاسيما إخواننا المقيمين فيقولُ كيف نستطيعُ أن نصلَ أرحامنا وهم بأماكن بعيدة متفرقة؟وعليه فإن المسلم يبداً بالأقرب بحسب الحال لاسيما مع سهولة الاتصال،فمنهم من يمكن زيارته لقربه منه،والبعيد بالاتصال والسفر إليه ومن يتحرّ الخير يعطه((فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ)) وم نبذل جهده في صلةِ رحمه وفقه الله تعالى لذلك ويسر أمره وأعانه..ولنحذر من التكلف في الزيارات والتواصل بالإسراف بالأطعمة والهدايا التي تجعل من الصعب والإحراج سهولة التواصل حين عقّدنا الصلة والتزاور فيما بيننا كأقارب وجيران.
وحين كانت الأمور شحيحة في الماضي كانت قلوب الناس أفضل والتزاور أكثر وينبغي أن ننشر القدوةَ بعدم التكلّف والإسراف في العلاقات..
كذلك انعدم الآن أو كاد أن ينبري من أهل الخير والصلاح من يقوم بإصلاح ذات البين بين المتقاطعين والأقارب وهم لا يعلمون الأجر العظيم الذي يحصلونه بسبب الإصلاح وذم القطيعة ((لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ))فواجبٌ على من علم عن خصومة أو قطيعة لاسيما من يُسمع لقوله ورأيه أن يبادر في محاولةِ الإصلاح بينهم فإنه سيحصل الأجر ولو لم يتم الصلح
أما المصيبةُ الكبرى والماحقة فهم أولئك الذين يسعون لزيادةِ الفسادِ والقطيعةِ بين الأقاربِ والأصدقاءِ وذلك بالنميمةِ والإفسادِ ونشر الأخبارِ((هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ))فيا ويله من عذاب الله في القبر وفي النار-عياذاً بالله-..فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم، وصلوا أرحامكم، واحذروا قطعها وتسامحوا مع الناس من أقارب وإخوان،وتذكروا دائماً ما أعد ه الله تعالى للواصلين من الثواب وللقاطعين من العقاب..وواصلوا عباد الله- عمل الخيرات بعد رمضان فلئن انتهى رمضان فإن الصيام باقٍ،والقيام مستمر،حافظوا على قراءة القرآن والصدقة واستفيدوا من أخلاق رمضان في باقي العام..نسأل الله القبول والغفران والعتق من النيران،اللهم إنا نسألك أن تنصر إخواننا المسلمين المستضعفين في سوريا على عدوك وعدوهم من النصيرية الحاقدين..اللهم انصرهم يوم قل الناصر..وأعنهم يوم فقد المعين..اللهم إنهم ضعفاء فقوهم..وجياع فأطعمهم..وعراةٌ فاكسهم ..اللهم تقبل شهيدهم..اشف مريضهم..وهيئ المسلمين دولاً شعوباً لنصرتهم إنك على كل شيءٍ قدير..اللهم جنبنا الفتن ما ظهر عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين..اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للحكم بشريعتك وللقيام بطاعتك،ورزقهم البطانة الصالحة الناصحة وجنبهم بطانة السوء..
سبحان ربك ربِّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ...